تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الطاغية المترف فرعون لعنه الله وأخزاه, وكان الجواب من معتقله بمدينة آزمور بتاريخ (27 جمادى الأولى عام 74).وهو جواب طويل تناول فيه مسائل منها إيمان فرعون, وقد أورد الأخ بدر سدده الله ما يتعلق بفرعون بنصه نقلا عن نسختي التي بخط الشيخ , وأعقبه برد غير مباشر عليه لشقيقه الشيخ عبد الله سماه (استمداد العون لإثبات كفر فرعون) وقد كتبه في حياة شقيقه أبي البيض لأنه مؤرخ بـ (25 صفر عام 1375) ,ولا أدري هل اطلع عليه أبو البيض أم لا, والغالب أنه لم يره, لأنه كان يومئذ بالمعتقل, وشقيقه عبد الله بمصر, وقد أحسن الأخ بدر بإيراد الجواب والرد عليه, وما تخلله من تعليقات جد مفيدة, كما أن عبد الله أجاد وأفاد أيضا في رده. وأتى على بنيان أبي البيض من القواعد. ومن أهم ما فيه إنكار ما ذكره الشعراني المتهور من أن القول بإيمان فرعون منقول عن جماعة من السلف والخلف منهم الباقلاني , وتبعه على ذلك أبو البيض, وزاد نقله عن بعض النكرات من متصوفة العجم, وعن الصوفي الاتحادي المحترق البرزنجي المدني, ولكنه تنكب الصواب بنفيه عن ابن العربي , وهو ثابت عنه بدون شك, وإلا فما معنى تأويل الشعراني لكلامه, وقد أحسن بدر أيضا بنقله عن الفصوص وشارحها القول بإيمان فرعون , وقد سمعت من كل من أطلعته على رسالة أبي البيض بالحرمين الشريفين ومصر من العلماء استنكارهم الشديد لهذه البائقة الموبقة, وصارحني الأخ المحدث الداعية أبو إسحاق الحويني بمنزله بكفر الشيخ أن هذا القول يعتبر تحديا لله تعالى ورسوله, وقبل أن أورد نص الجواب دون الرد عليه لطوله مع الإحالة على (الجواب المفيد للسائل المستفيد) للوقوف علها صفحة (96) لجواب أبي البيض وصفحة (122) لـ (استمداد العون) , وأنبه على فوات جد مهم للشيخ عبد الله , وهو نص قاطع للخصومة , حاسم للتردد في الموضوع, وذلك قوله تعالى ( .. فأخذه الله نكال الآخرة والأولى, إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) فهذه الآية الكريمة نص واضح لا يحتمل التأويل, ولا يقبل إلحاد أبي البيض في كتاب الله المتجلي في تساؤله عن السر في قوله تعالى (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار) فكأنه فهم أنه يتقدمهم إلى النار دونهم, فيوردهم إياها ويرجع سالما إلى الزاوية, ومادام أن أبا البيض اختار إيمان فرعون فندعو الله تعالى أن يحشره معه, ويجعله من حزبه, كفاء دفاعه عنه, وهذا نص الجواب:

ومسألة إيمان فرعون ألف فيها إثباتا وانتصارا للشيخ الأكبر العلامة الجامي, ورد عليه ذلك المغفل علي القاري الحنفي بكتاب سماه (فر العون من مدعي إيمان فرعون) مطبوع بالأستانة وهو والأصل المردود عليه, ولكن ابنبرى له العلامة الصوفي المطلع المتضلع من العلوم المعقولة والمنقولة محمد بن رسول البرزنجي فألف كتابا لطيفا سماه (التاييد والعون لمدعي إيمان فرعون) أتى فيه بما يبهر العقول, كما فعل في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم, وقد قرأت الجميع والحمد لله, والتأييد عندي عليه خطه

وقد ألف كنون الفقيه الفاسي رسالة في الرد على ابن العربي قرأتها أيضا, وللعلامة الجامي كتاب سماه (الجانب الغربي في نصرة ابن العربي) ألفه بالفارسية, وترجمه ابن رسول البرزنجي, وسماه (الجاذب الغيبي) في مجلد كبير, أجاب فيه عن جميع ما أشكل من كلام الشيخ, ولعبد الغني النابلسي (الرد المتين) أيضا وكلاهما موجود.

وللبحث مجال في أدلة الجميع, وصاحبك الذي يقول إن الدليل على كفره قطعي, لعله لا يفهم معنى قطعي, والله تعالى يخبر عنه أنه آمن عند خروج روحه, أو عند معاينته الهلاك, وعاتبه الله على ذلك إذ تأخر بإيمانه إلى ذلك الحين. ولم يقل بعد ذلك إنه لم يقبل إيمانه, فأين الدليل القطعي الذي خرقه الشيخ رضي الله عنه؟! ثم ما الحكمة في قوله تعالى (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) ولم يقل فرعون, وما الداعي إلى ذلك التأويل الذي يذكره المفسرون, فالمسألة اجتهادية لا قطع فيها أصلا

وأنا قرأت رسالة البرزنجي بمصر سنة إحدى وخمسين أي منذ ثلاث وعشرين سنة, ولم يبق بذهني من أدلته شيء, إلا أنه أجاد وأفاد, على أن العارف الشعراني يقول: إن الشيخ الأكبر يتكلم على فرعون آخر غير فرعون موسى, ولكنه اعتذار ظاهر الضعف.

والفتوحات والفصوص مشحونة بالمعارف الإلاهية التي عجز أن يأتي بمثلها كبار العارفين لا بالطامات, نعم هي طامات على الجهلة, لأنها سبب في هلاكهم ووقوعهم في محاربة الله تعالى بمحاربة أوليائه.

والشيخ الأكبر لا يوجد له حرف واحد في الحلول, ومحال عقلا أن يدعي الحلول, وهو ينكر وجود غير الله معه مطلقا, ففي من يحل ولا وجود لغيره معه عنده, وهذه الكائنات كلها في قوله أوهام لا حقيقة لها

والخوض في هذا الباب صعب على أمثاله, فإما أن يؤمن بكلام أهل الله, وإما أن يسلم, وإلا فالهلاك المحقق) اهـ

قلت: أتيت بنص كلام أبي البيض كله, لتقف على مدى غلوه في ضلاله, وتشبعه بكلام إمامه الذي كان أمة وحده في الإلحاد في دين الله والكيد له. والتلاعب بتعاليمه , الشيء الذي حدا بالمستشرق الإسباني (آسين بلاثيوس) بعد أن ترجم كلام ابن العربي إلى تسميته (إسلام في ثوب نصراني) , وتأمل إرهاب أبي البيض لمن يرد على أوليائه بالهلاك المحقق, وما الهلاك المحقق إلا ما هم عليه, والعبث بآياته, وقد حذا أبو الفتوح حذو شيخه في التهديد والوعيد لمن رد عليهما وحذر من أفعالهما, وهنا تحركت القريحة المكلومة فنظمت الساعة هذه الأبيات غيرة على الحق, وذبا عن الإسلام, وردا لكيد أعدائه والله الموفق.

أبشر (أبا البيض) بالخسران والغضب من ربك الواحدِ القهارِ, والعطب

قد كنت أطريك مغترا ومندفعا بظاهر الحال مخدوعا بمنحجب

فتبت لما رأيت الكفر منتشرا في كتبك السود مأخوذا من العجب

برئت منك ومن أولي الزوايا فهم قبيل إبليس من زور ومن شغب

فهل من الدين والتوحيد معتقد يوحي بأن إله العرش كالخشب

أستغفر الله من قول ملئت به رعبا وخفت مصيرا بادي الوصب

والرفض من فيك يبدو بالوقيعة في صحب الرسول قبيحا جالب الرهب

أخوك فرعون مسرور بذبك عن إيمانه يا حليف المسخ والكذب

والرقص والجذب والتخريف ديدنكم يا عصبة الشر والأحلام والنصب

والطبل والزمر والإنشاد دينكم أيعبد الله بالأنغام والطرب؟

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير