شيوخه وشيوخهم, كالبلقيني والعراقي والحافظ ابن حجر وأمثالهم, وكلهم حكموا بكفره وزندقته ,فهم صديقو أهل القرن السابع والثامن والتاسع, وهم نحو السبعين (قلت: بل هم أكثر من مائة وأربعين) , وما حصلت له رضي الله عنه الصديقية الكبرى, إلا بعد شهادة هؤلاء الصديقين رحمهم الله وغفر لهم, وجعلنا من حزب المشهود عليهم, ولو كان الشاهدون ألف ألف صديق) انتهى.
وكتبت أنا على هامش نسختي تعليقا على هذا القول ما نصه: (لازم هذا أنهم جاهلون بالله تعالى, لا يفهمون عن الله, ولو بلغوا مليونا من العلماء, والمؤلف ومن على شاكلته, عالمون بهذا, مدركون له بالذوق, كأن أولئك لا أذواق لهم, والعجب أن من أولئك أولياء حكيت لهم كرامات, وزعمت لهم (القطبانية) , كابن حجر وغيره, كما في الجواهر والدرر.
2 ـ قال في رسالة بدون تاريخ إلى ذنبه الكرفطي المدعو التليدي: (وجوده صلى الله عليه وسلم في كل مكان, بل هو الكون كله)
قلت: تأمل قوله (بل هو الكون كله) , فإنه يعني ما يدعونه الإنسان الكامل, ويقصدون أنه أكبر مظهر للإله في الأرض, تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
3 ـ وفي رسالة له إليه مؤرخة بـ (12 ربيع الثاني عام 1374) قال بعد كلام: (أما وحدة الوجود فوالله ما أوجد الله عارفا به تعالى من عهد آدم إلى النفخ في الصور, إلا وهو قائل بها, ذائق لها, لأنها عين المعرفة, فمن لا وحدة له, لا معرفة له أصلا, ثم ذكر أن العارفين عنده قسمان, قسم يلزم الصمت ولا يبوح بالسر, وقسم غلبهم الحال, فباحوا أو أُذِنَ لهم بالبَوْحِ فصرحوا) , إلى أن قال: (ولله در القائل:
أهل الهوى قسمان قسم منهم *كتموا وقسم بالمحبة باحوا
فالكاتمون لسرهم شربوا الهوى *ممزوجة فحمتهم الأقداح
والبائحون بسرهم شربوا الهوى *صرفا فهزهم الغرام فباحواوالعارف الششتري رضي الله عنه من أكثرهم بوحا بذلك في أشعاره وأزجاله, ومن أفصحها في ذلك قوله:
محبوبي قد عم الوجود * وقد ظهر في بيض وسود
وفي النصارى واليهود *وفي الخنازير والقرود
الخ ما لست أنا على يقين من لفظه)
قلت: تأمل قوله: (وقد ظهر في بيض وسود الخ) لتدرك ما فيه من معنى الحلول الذي ينكره أبو البيض, وقوله: (وفي الخنازير والقرود) منسجم تمام الانسجام مع قول ابن العربي:
وما القرد والخنزير إلا إلاهنا *وما الله إلا راهب في كنيسةوقد أنكر أبو البيض هذا البيت, وكذب من نسبه إلى ابن العربي بدون دليل, وهو مذكور في كتب الصوفية منسوبا إليه.
4 ـ وفي رسالة منه إليه بتاريخ (3 ذو القعدة 1379) (ويلاحظ أنها من أواخر ما كتب لأنه توفي بعدها ببضعة أشهر, الشيء الذي يدل على عدم توبته من فواقره) ما نصه:
(وقول العارف الحراق:
فذا شيء دقيق ليس تدري *لدقته المشيرَ ولا المُشارَ
به صار التعدد ذا اتحاد *بلا مزج فذا شيء أحارومن أحسن ما عبر به عن وحدة الوجود , التي من ذاقها وتحققها فهو العارف بالله, ومن أنكرها فهو الجاهل المغرور البعيد عن حقيقة التوحيد والإيمان, ومن آمن بها وسَلَّم أمرها لأهلها, فهو المؤمن الكامل, الذي يُرجى له كل خير من الله, بل هو إن شاء الله من أولياء الله, وإن كان ليس عارفا به.)
قلت: تأمل هذا الكلام, لتعرف ما يلزم عليه من تجهيل بل وتكفير الصحابة والتابعين, والأئمة المجتهدين, والجماهير الغفيرة من الأولياء والصالحي, ن الذين درجوا وهم لا يعرفون حرفا واحدا من هذه الجراثيم المبيدة للدين والأخلاق, لأن من خصائص هذه العقيدة الخطيرة أن صاحبها لابد أن يكون إباحيا لا يعرف حلالا ولا حراما, وليكن منك على ذكر, قول العفيف ـ بل الفاجر ـ التلمساني المشار إليه آنفا ,فاعلم هذا واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
5ـ وفي رسالة منه إليه بتاريخ (27 محرم عام 1380) (يلاحظ أنه كتبها قبل موته بنحو شهرين) , قال يخاطب بِرْذَوْنَهُ, ووارث شَرِّه: (وكذلك اقتصارك على من ذكرت في التصريح بوحدة الوجود مع أنك لو حكيت الإجماع المحقق المقطوع به, لكان أولى من ذلك, لأن المعرفة هي التحقق من وحدة الوجود, ذوقا لا علما وإيمانا, فمن لم يقل بها, فوالله ما شم للمعرفة رائحة.)
¥