تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: هكذا يصرح أبو البيض بانعقاد الإجماع على وحدة الوجود, ولا أدري إجماع من, فلعله إجماع الزنادقة ومن لا دين لهم , ولعل مصدر تلقيه الشيطان, وإلا فقل لي بربك كيف يُتَصَوَّرُ إسلامٌ وإيمانٌ دون علم ولا تعليم ولا درس إلا الذوق, وهذا القرآن والسنة بين أيدينا, يدعوان الناس إلى التوحيد الظاهر من معنى لا إله إلا الله, وعليه جردت السيوف, وفتحت الأمصار, وتفتحت الأبصار, دون أن يعرف الفاتحون من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الآن ذوقا ولا حالا, سبحانك هذا بهتان عظيم.

6 ـ وفي رسالة منه إليه بتاريخ (6 صفر عام 1379) , تحدث عن معية الله تعالى, وحمل على أئمة السلف, وخصوصا الإمام أحمد فقال عنه: هكذا فعل أحمد بن حنبل في العلو, فآمن به وكفر بالمعية, هو ومن على طريقته وهم جميع أئمة السلف, وقد حكى إجماعهم ابن عبد البر وابن القيم في كثير من كتبه, ولكن أبو البيض أنكر الإجماع, وكذب من حكاه بغاية العنف وسوء الأدب, كما هو بخطه على هوامش مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم في نسختي التي أهداها إلي وهي تحت اليد (أما نحن فنومن بكل ما جاء عن الله من يد ويدين وأيد وعين وعينين وأعين, ونومن بأنه سبحانه على عرشه بذاته كما ورد فيه النص وكذلك نومن بأنه تعالى معنا بهوية المعية وهي ذاته المقدسة فهو معنا بذاته في حين كونه فوق العرش بذاته وتحت الأرض السابعة بذاته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, لو دلى أحدكم بحبل لهبط على الله الخ) ()

قلت: والشيخ مولع بقضية المعية, وأنها بالذات لا بالعلم, كما أجمع عليه السلف الصالح, وهو مقتضى القرآن في آية العلم (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ, مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم, ْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المجادلة:7) ,فافتتح سبحانه الآية بالعلم, وختمها بالعلم, وقد عمي عن هذا واحتج بالحديث الضعيف, وفاته أن يقول عن الله تعالى وهو من لوازم إيمانه وفهمه (إنه تعالى بذاته في الحشوش والمزابل) إلى آخر ما لا يليق بعظمته, ونتحرج من ذكره, وقد أعدى أبو البيض أشقاءه بهذا البلاء الماحق, والمقصود الأهم من الإصرار على إثبات المعية بالذات أنها مَدْرَجَة لوحدة الوجود كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه وأصحابه, وتهجم الشيخ على الإمام أحمد معهود منه, فقد وصفه بالجهل, وأنه لا يعرف طريق الجمع بين النصوص, وأنه كان يعتقد الجهة والعلو والانحياز فوق العرش, وهذا كله بهتان وافتراء, وحاشا الإمام المحتسب الصابر على الحق أن يكون كما وصف هذا الظالم لنفسه, وقد اتهمه بالنصب ومعاداة الصوفية, وقد قرأت في مناقبه رضي الله عنه قول ابن أعين فيه:

أضحى ابن حنبلَ محنةً مأمونةً *وبِحُبِّ أحمدَ يُعرف المتنسك

وإذا رأيت لأحمدٍ متنقصا *فاعلم بأن ستوره سَتُهَتَّكُوقال الحسين الكرابيسي: (مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل, مَثَلُ قوم يجيئون إلى أبي قبيس (جبل بمكة) , يريدون أن يهدموه بنعالهم)

وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: (من سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الإسلام).

قال أبو الحسن الهمذاني: (أحمد بن حنبل محنة به يُعرف المسلم من الزنديق)

قال محمد بن فضيل: (تناولت مرة أحمد بن حنبل, فوجدت في لساني ألما, لم أجد معه قرارا, فنمت ليلة فأتاني آت فقال: هذا بتناولك الرجل الصالح, فانتبهت, فلم أزل أتوب إلى الله تعالى حتى سكن)

وانظر هذه الأخبار وأمثالها معها, مروية بأسانيد عدة في (مناقب أحمد) لابن الجوزي, و (تاريخ الإسلام) و (سير أعلام النبلاء) لابن الذهبي, ولم أذكرها ليعتد بها أمثال المؤلف وينزجر, فإنه لا يومن بها ولا بمن رويت له, وإنما ذكرتها للعبرة لا على طريقة المتصوفة الجهلة المتربصين بأهل العلم المصائب, للتشفي والاستغفال والابتزاز, وقد عرفت بالمخالطة والاطلاع التام على الأحوال, ما جرى لأبي البيض من المحن والدواهي منذ ثورته الحمقاء على الإسبانيين إلى إن مات, فبعد الاعتقال والتغريم والإهانة, امتحن بأمراض السكر والقلب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير