حينما وجد مفتي حلب الأكبر؛ وعضو مجلس الشعب السوري؛ الشيخ أحمد بدرالدين الحسون؛ أن من تلبّسوا برداء العلماء أبعدوا أهل مذهبه السنى عن أهل البيت عليهم السلام خوفا من انتشار التشيع، وجد أن عليه أن يتصدى ويتحرك لإعادة الحق إلى نصابه، كي لا يندرس ذكر الميامين الأطهار، وكي لا يقع الناس في لبس تجاه أعدائهم، فيترضّون على أمثال يزيد!
لقد أعاد حزءاً يسيراً من حق الحسين عليه الصلاة والسلام، فقامت الدنيا وشتمته عشرات المنابر على الملأ. لكن كل هذا يهون عنده في سبيل الحق، وفي سبيل ساداته الذين يدين بحبهم وموالاتهم. إنه بكى لأكثر من مرة في خطبته، وكان يتأوه من شدة الألم، لأنه كتم وكتم، وها هو اليوم يعتذر للمئات الذين جلسوا يستمعون له قائلا: (سامحوني .. لأنني سأتحدث بما لم تعتادوا سماعه)!
ليس له هم إلا جمع الكلمة، والتحليق بالأمة عالياً بجناحيها؛ السنة والشيعة، غير أنه لا يرى وحدة تتحقق بالتنكر للحقائق وإخفائها، أو بترك سيرة أهل البيت ونبذها.
(المنبر) في خضم هذه العاصفة التي حركها المفسدون ضد الشيخ الجليل؛ والعالم الفاضل؛ اتصلت به وحاورته، فوجدته لسانا عذبا يفيض بعشق محمد وآله الأبرار صلوات الله وسلامهعليهم أجمعين، ووجدته رجلاً صلبا لا يتزحزح عن كلمة الحق.
في ذلك الحوار الذي دار لحوالي ساعتين من الوقت، استفسرت (المنبر) من سماحة الشيخ عن أسباب كلمته ودواعيها ومبرراتها، واستعلمت منه عن مفاهيم ورؤى، فبكى وأبكى، وأظهر عقيدة أهل السنة الحقيقية في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، الذين هم عندهم أشرف الخلق وأولو الأمر والأئمة الواجب طاعتهم واتباعهم ومودتهم، متبرئا من عقيدة أهل الغلظة والجفاء ممن اندسوا تحت راية أهل السنة، الذين وصلت فيهم جرأتهم إلى التطاول على أهل بيت الوحي والرسالة، عندما قالوا: (إن الحسين قتل بخروجه على الخليفة)!!
هذه كلمات لم تخرج من فيه رجل عادي، إنما خرجت على لسان عالم كبير تتبعه الملايين، فهو سليل أسرة علمية، وعضو مجلس الإفتاء الأعلى، فضلا عن كونه مفتي حلب وأستاذ علمائها. فلنستمع ولنع ولنعرف كيف أن الحق يعلوولا يعلى عليه:
* المنبر: لماذا جاءت تلك الخطبة وفي ذلك الوقت بالذات، وما هي دواعيها؟ هل وجدتم أنه من الواجب إزاحة الستار عن كثير مما أخفاه أهل الأهواء والعصبيات؟
- من خلال قراءتي السريعة للواقع الذي تعيشه أمتنا المسلمة، حاولت أن أعود لتاريخنا لأستنبط منه ما يعيد الصحوة لها، وحينما قرأت مسيرة الحسين (عليه السلام) والذي لم يكن يمثل نفسه أو يمثل آل البيت (عليهم السلام) فحسب، إنما كان يمثل خط الإسلام العام، وجدت أنه منذ يوم استشهاده وحتى يومنا هذا لم تقرأ قضيته قراءة صحيحة، إنما قرئت قراءة عاطفية، وهذه القراءة منعتنا من أن نستنتج ما يمكن استنتاجه بغيرها، فحالت دون استفادتنا لما نحتاج اليوم، في موقفنا المعاصر، وفي مشاكلنا الحالية، فقررت حينما قرأت هذه المسيرة أن أعيد قراءتها قراءة عامة نطبقها في حياتنا. وقد قررت أن أعيد قراءة مأساة الحسين عليه السلام بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي ككل بدءاً من رسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحتى آخر لحظة من حياة الخلفاء وكيف انفصلت الخلافة الروحية بعد سيدنا على (عليه السلام) عن الخلافة السياسية.
لقد استطاع سيدنا على (عليه السلام) ومن قبله من الخلفاء أن يجمعوا الخلافة التشريعية الروحية مع الخلافة السياسية، ولكن بعد استشهاد أمير المؤمنين على (عليه السلام) صار الملك - أي ملك الخلافة - ملكا عقيما، واتجه اتجاها آخر، فكان الناس يطلقون على البعض ممن استحوذ على الخلافة (أمراء المؤمنين) وما كانوا أمراء مؤمنين، فانا لا أراهم سوى ملوكا.
وهذا قد يفاجئ كثيراً من المعاصرين ولكنها الحقيقة التي يجب أن يعرفها أبناؤنا حتى لا نظلم الإسلام بأناس حسبوا عليه وسموا بأمراء مؤمنين وهم في الحقيقة أشخاص ليس لهم علاقة بالإيمان.
* المنبر: ما هو الجديد في خطبتكم بالنسبة إلى الوسط السني؟ هل إن هذا الوسط لم يعتد على هذه اللغة؟! وهل تجدون أن هذه اللغة ضرورية؟ وما ردكم على من يقول إن هذه اللغة إنما تسهم في زعزعة وبلبلة وانقسامات؟
¥