الشيخ / عبدالرحمن بن سعد الشثري
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد جاء في الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم 2123 ج1/ 235 برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (لا يجوز للمسلم القيام إعظاماً لأي عَلَمٍ وطنيٍّ , أو سلامٍ وطنيٍّ , بل هو من البدع الْمُنكرة التي لَم تكن في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم , ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم , وهي مُنافيةٌ لكمال التوحيد الواجب وإخلاص التعظيم لله وحده، وذريعةٌ إلى الشرك، وفيها مشابهةٌ للكفار وتقليدٌ لهم في عاداتهم القبيحة , ومجاراة لهم في غُلُوِّهم في رؤسائهم ومراسيمهم، وقد نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن مشابهتهم أو التشبُّه بهم) انتهى.
وجاء في الجواب على السؤال الثالث من الفتوى رقم 5963 ج1/ 236 برئاسة سماحته أيضاً: (لا تجوز تحيَّة العَلَم، بل هي بدعة مُحدثة، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ** مَنْ أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو رَدٌّ} .. ) انتهى.
وقال سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – عضو هيئة كبار العلماء - وفقه الله: (وأما تحية العلم: فالتحية تأتي بمعنى التعظيم , ولا تكون تحية التعظيم إلا لله كما نقول في تشهدنا في الصلوات: التحيات لله , أي: جميع التعظيمات لله سبحانه ملكاً واستحقاقاً , فهي تحية تعظيم وليست تحية سلام، فالله يُحيَّا ولا يُسلَّمُ عليه، وتأتي التحية بمعنى السلام الذي ليس فيه تعظيم , وهذه مشروعة بين المسلمين، قال تعالى: ** فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} , وقال تعالى: ** وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} , وقال تعالى عن أهل الجنة: ** تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} وقال تعالى: ** تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} , وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ** ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم} فالسلام إنما يكون بين المسلمين ولا يكون السلام على الجمادات والخرق ونحوها , لأنه دعاء بالسلامة من الآفات، أو هو اسم من أسماء الله يدعو به المسلم لأخيه المسلم عليه ليناله من خيراته وبركاته , والمراد بتحية العلم الآن: الوقوف إجلالاً وتعظيماً له، وهذا هو الذي أفتت اللجنة الدائمة بتحريمه لأنه وقوف تعظيم، فإن قيل: إن في تحية العلم احتراماً لشعار الحكومة؟ فنقول: نحن نحترم الحكومة بما شرعه الله من السمع والطاعة بالمعروف , والدعاء لهم بالتوفيق، واللجنة حينما تُبيِّنُ هذا للمسلمين إنما تُبيِّنُ حكماً شرعياً يجب علينا جميعاً حكومة وشعباً امتثاله، وحكومتنا - حفظها الله وبارك فيها - هي أولُ مَن يمتثل ذلك , هذا ما أردت بيانه خروجاً من إثم الكتمان) جريدة الجزيرة عدد 11989 يوم الثلاثاء 20/ 6/1426هـ.
وقال سماحته أيضاً: (طاعة الدولة واجبة فيما لا يُخالف الشرع , وهي لا تريد مخالفة الشرع في جميع أنظمتها , وأيضاً: تحية العلم قد صدر بتحريمها فتوى شرعية من جهة رسمية نصبتها الدولة وعيَّنت فيها الْمُفتين .. وهل القيام للعلم إذاً من باب العبث؟ لا إنما هو نوعٌ من التعظيم، والتحيات في الأفعال من القيام والركوع والسجود وغير ذلك كلُّها لله، كما في الحديث الصحيح: ** التحيات لله} قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في آداب المشي إلى الصلاة: أي جميع التحيات لله استحقاقاً وملكاً , قال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي البلاد السعودية رحمه الله في شرحه: أي: جميع التحيات لله استحقاقاً وملكاً , يعني: أنَّ الربَّ جلَّ وعلا هو المستحق لجميع التعظيمات , لأنه الكبير الذي لا أكبر منه، والجليل الذي لا أجلَّ منه , انتهى ... ولَمَّا صلَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بيته جالساً لمرض أصابه، وقام مَن حضر خلفه يُصلُّون قياماً أشار إليهم أن اجلسوا , ولَمَّا سلَّم من صلاته قال: ** كدتم آنفاً أن تفعلوا فعلَ فارس والروم , يقومون على ملوكهم وهم جلوس} فهذا يدلُّ على تحريم التشبه بفارس والروم في قيامهم على ملوكهم تعظيماً لهم، فدلَّ ذلك على أمرين: تحريم القيام تعظيماً للمخلوق , وتحريم
¥