تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رحلة في طلب العلم]

ـ[أبو عائش وخويلد]ــــــــ[02 - 02 - 08, 05:12 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم.

بقلم: سائدة عبد الحفيظ - مصمص -

حفظت منذ زمن ابياتا للامام الشافعي رحمه الله ابياتا منسوجة بخيوط فضية محاكة بأشعة

الشمس الذهبية المتلألئة ومرصعة ومزخرفة بالياقوت والزبرجد والمرجان تقول:

ما في المقام لذي عقل وذي أدب ** من راحة فدع الاوطان واغترب

سافر تجد عوضا عمن تفارقه ** وانصب فإن لذيذ العيش في النصب

إني رأيت وقوف الماء يفسده ** إن ساح طاب وان لم يجر لم يطب

والأُسد لولا فراق الغاب ما افترست ** والسهم لولا فراق القوس لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ** لملّها الناس من عجم ومن عرب

والتبر كالترب ملقى في اماكنه ** والعود في ارضه نوع من الحطب

فإن تغرب هذا عز مطلبه ** وإن تغرب ذاك عز كالذهب

وكم كنت ارنو واحلم ان اتفيأ ظلال هذه الابيات الوارفة واقطف من ثمارها واستنشق

عبير ازهارها وانهل من معينها واطير في رحابها وفيافيها الى ان منّ الله عليّ فأنالني ما كنت

ارنو اليه وأبتغي اليه السبيل وهذا بكرمه وفضله وعظيم احسانه، فيا رب لك الحمد

كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

ما أجمل تلك الساعات والأيام التي يقضيها طالب العلم في طلبه للعلم النافع وفي المكوث

في بطون الكتب وهو يغوص في لجاتها ومكامن محيطاتها ينتقي الدرر واللؤلؤ والمرجان،

حيث ان البحث عن الفائدة والعلم النافع ينشر بين اطواء النفس وجوانحها السعادة

والاطمئنان ويدب بين اعطافها وخلجاتها الحياة رغم الصعوبات والاهوال والمعاناة

والعراقيل التي تحد من سيرنا لتخلدنا الى الارض وتثبط عزائمنا، رغم كل هذه العراقيل

الا ان المسافر في طلب العلم يجد السعادة والراحة ليس راحة الجسد بل راحة الروح

والاطمئنان وذلك عندما يتغلب على تلك العراقيل وهو يتابع المسير الى العلي جل في

علاه الى المعالي والسمو والارتقاء وكله همة وعزيمة وجد ومثابرة وكفاح ليعيد لأمته عزتها

ومجدها ويفيقها من سباتها ورقدتها التي طال عليها الأمد ويخلصها من الارجافات

والارهاصات والتخدير والفتور والوهن الذي علق بها والذي جعلها تركن الى الدعة

والكسل والراحة لينشد بها الى المعالي والسمو والرقي.

انك لا تنهض بأمتك الا اذا تنازلت عن الراحة والدعة والكسل وتحركت وسافرت لأن

الساكن لا يلتهب الا بالتحرك والانطلاق، فرحلتنا عالمية والعالمي يحتاج الى سفر ولقد

مضى عهد النوم.

سافر فإن الفتى من بات مغتنما ** قفل النجاح بمفتاح من السفر

ان لكل باب مفتاح ومفتاحنا للنهوض بالأمة السف، ر انه النداء الرباني الموصي بالتحرك

والكفاح، انه قوله تعالى (قم فأنذر} انها الكلمة التي تلذع الانسان وتلهب ضميره.

يقول ابن القيم: فالناس منذ خلقوا ما يزالون مسافرين والعاقل يعلم ان السفر مبني على

المشقة وركوب الاخطار ومن المحال عادة ان يطلب فيه نعيما ولذة وراحة انما ذلك بعد

انتهاء السفر وهيهات هيهات ان يكون انتهاء السفر مع انتهاء الاجل فتأهب فإن العاقبة

كؤود والناقد بصير.

يا اخي انصهر واذو واحترق من أجل هذا العلم الذي يهدي الى الفلاح والرشاد،

واغترب وعان وكافح وتحدّ كل الصعوبات والاهوال والاخطار فهذا ثمنه وهذا مهده

ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر.

ان اضناء الجسد وارهاقه في السفر والتغريب من اجل العلم والمعالي والسمو والارتقاء

هو راحة واطمئنان وسعادة وسكينة في الكنة والمعنى انه سعادة الروح الذي من اجله

عظم الانسان.

يا خادم الجسم لم تشقى بخدمته ** اتعبت جسمك فيما فيه خسران

اقبل على الروح واستكمل فضائلها ** فأنت بالروح لا بالجسم انسان

انه يعني سعة الصدر وانفراجه حيث يقول الامام علي رحمه الله:

تغرب عن الاوطان في طلب العلى ** وسافر ففي الاسفار خمس فوائد

تفريج هم واكتساب معيشة ** وعلم واداب وصحبة ماجد

فإن قيل في الاسفار ذل ومحنة ** قطع الفيافي وارتكاب الشدائد

فموت الفتى خير من قيامه ** بدار هوان بين واش وحاسد

اطلب العلى اخي المسلم دائما فان موسى عليه السلام لما اختصه الله بالكلام قال (رب

ارني انظر اليك) والمجد لا يأتي هبة لكنه يحصل بالسعي، وان اهل الهمم هم صفوة الأمم

وأهل المجد والكرم طارت بهم ارواحهم الى مراقي الصعود ومراتب الخلود ومن اراد

المعالي هانت عليه كل همة لأنه لولا المشقة ساد الناس كلهم.

ونصوص الوحي تناديك {وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها والسماوات

والارض اعدت للمتقين}.

ويقول ابن القيم: لا ينال العلم الا بهجر اللذات وتطليق الراحة، واجمع عقلاء كل أمة

ان النعيم لا يدرك بالنعيم ومن آثر الراحة فاتته الراحة.

فإن العلم صناعة القلب، وشغله فمن لم يتفرغ لصناعته وشغله لم ينلها ومن لم يغلب لذة

ادراكه العلم وشهوته على لذة جسمه وشهوة نفسه لم ينل درجة العلم ابدا، يقول ابن

القيم: ولولا جهل الاكثرين بحلاوة هذه اللذة وعظم قدرها لتجالدوا عليها بالسيوف

ولكن حفت بحجاب من المكاره وحجبوا عنها بحجاب من الجهل ليختص الله من يشاء

والله ذو الفضل العظيم.

فاصدق اخي المسلم مع الله فإن صدقته فإنه سيصدقك لا محالة وابتغ واقصد بمطلبك

وجهه ورضوانه سبحانه واعلم اخي ان كلمتك الصادقة تخرج حارة ملتهبة تسعر النار في

القلوب، اما الكلمة التي تخرج باردة فانها لا تصل الى القلوب، لذا نحن بحاجة الى كلمة

ذات جمرة ملتهبة الحرارة لتقع في قلوب الاخرين فتلهبها وتحركها ولن يحدث ذلك الا اذا

كنت صادقا فيما تقول وتفعل ... وها هو محمد اقبال يقول:

أرى التفكير ادركه خمول ** ولم تبق العزائم في اشتغال

واصبح وعظكم من غير نور ** ولا سحر يطل من المقال

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير