تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وخرج يوما فقال: يا طالب العلم! إن للعالم ثلاث علامات: العلم بالله، وبما يحب الله، وبما يكره الله: وللعامل ثلاث علامات: الصلاة، والزكاة، والورع. وللمتكلف من الرجال ثلاث علامات: ينازع من هو فوقه، ويقول بما لا يعلم، ويتعاطى ما لا ينال. وللظالم ثلاث علامات يظلم من هو فوقه بالمعصية، ومن هو دونه بالغلبة، ويظاهر الظلمة والإثم. وللمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان من يراه، ويحب أن يحمد في جميع أموره. وللحاسد ثلاث علامات: يغتاب إذا غاب، ويتقرب إذا شهد، ويشمت بالمصيبة. وللمنافق ثلاث علامات: يخالف لسانه قلبه، وقوله فعله، وعلانيته سريرته. وللمسرف ثلاث علامات: يأكل ما ليس له، ويشرب ما ليس له، ويلبس ما ليس له. وللكسلان من الرجال ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط، ويفرط حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم. وإنما هلك الذين قبلكم بالتكلف، فلا يتكلف رجل منكم أن يتكلم في دين الله بما لا يعرف، فإن الله عز وجل يعذر على الخطإ إن أجهدت رأيك.

وقال لعمر بن الخطاب: ثلاث إن حفظتهن وعملت بهن كفيتك ما سواهن، وإن تركتهن، فلا ينفعك شيء سواهن. قال: وما هن؟ فقال: الحدود على القريب والبعيد، والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود. فقال له عمر: أبلغت وأوجزت.

وسمع رجلا يذم الدنيا، فقال: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أحباء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة فربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها، وقد أذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها، مثلت ببلاها البلا، وشوقت بسرورها السرور، راحت بفجيعة، وأبكرت بعافية ترغيبا وترهيبا وتحذيرا وتخويفا، ذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون ذكرتهم فذكروا، وحدثتهم فصدقوا، فيا ذام الدنيا، المغتر بغرورها! متى استذمت إليك بل متى غرتك؟ أبمضاجع آبائك من البلى، أو بمنازل أمهاتك من الثرى؟ كم مرضت بيديك، وعللت بكفيك، من تبتغي له الشفاء وتستوصف له الأطباء، فلم ينفعه تطبيبك ولم يستعف له بعافيتك، مثلت به الدنيا نفسك، وبمصرعه مصرعك، غداة لا يغني عنك بكاؤك ولا ينفعك أحباؤك.

وخطب فقال: إن من أخوف ما أخاف عليكم خصلتين: اتباع الهوى، وطول الأمل. فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق. من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، له قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا، إن الله تعالى يقول: وعزتي وجلالي وجمالي وبهائي وعلوي وارتفاعي في مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت همه في الآخرة وغناءه في قلبه، وضمنت السموات والأرض رزقه، وأتته الدنيا وهي راغمة.

وقال: حصر بالبلاء من عرف الناس، ومن جهلهم عاش معهم. وقال: يأتي على الناس زمان لا يعز فيه إلا الماحل، ولا يستظرف إلا الفاجر، ولا يضعف إلا المنصف، يتخذون الفيء مغنما، والصدقة مغرما، والعبادة استطالة على الناس، وصلة الرحم منا، والعلم متجرا، فعند ذلك يكون سلطان النساء ومشورة الإماء وإمارة الصبيان.

وقال: لا تصلح الناس إمارة يعمل فيها المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ فيها الكتاب الأجل. وغزا فقال لرجل: لئن جزعت إن الرحم ليستحق ذاك، وإن صبرت كأني بها مأجورا، وإلا صبرت كارها مأزورا. وقيل لعلي: كم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مظلوم. وقيل له: كم مسافة الدنيا؟ فقال: مسير الشمس يوما إلى الليل. وقال يوم الجمل: الموت طالب حثيث لا يعجزه المقيم، ولا يفوته الهارب، أقدموا ولا تنكلوا ليس عن الموت محيص، إنكم إن لم تقتلوا تموتوا، وإن أشرف الموت القتل، والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش.

(1/ 191)


وقال له رجل: أوصني. فقال: أوصيك بتقوى الله، واجتناب الغضب، وترك الأماني، وأن تحافظ على ساعتين من النهار: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن العصر إلى غروبها، ولا تفرح بما علمت، ولكن بما عملت فيها.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير