تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الشهوة الخفية في طلب العلم]

ـ[رودريقو البرازيلي]ــــــــ[07 - 02 - 08, 05:24 م]ـ

مننقول من الكتاب: منطلقات طالب العلم للشيخ محمد حسين يعقوب

وأنا إذ أحذرك من تلك الشهوة الخفية فلا بد أن أذكر لك ـ حبيبي في الله ـ بعض مظاهرها؛ لأنها قد تخفي على الكثير إلا من وفقه الله.

فمن مظاهر هذه الشهوة الخفية:

1. أن يشتغل المتفقه بفرض الكفاية عن فرض العين؛ وأن يشتغل بعلوم الاجتهاد قبل أن يتفقه في دين الله عز وجل.

فتجد المسكين بلا عقيدة صحيحة، ولا معرفة صادقة بأسماء الله وصفاته، ولا إلمام بتصحيح العبادات الظاهرة والباطنة، ومع ذلك هو عاكف على علوم الآلات، ويهجم على النصوص ويستنبط ويرجح بين الأقوال، ويرد على العلماء ويتعصب، ويغضب لنفسه ورأيه، لا لدين الله عز وجل، فهذا هو الخذلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال في مختصر منهاج القاصدين: " وأنت تجد الفقيه يتكلم في الظهار واللعان والسبق والرمي، ويفرع التفريعات التي تمضي الدهور ولا يحتاج إلى مسألة منها، ولا يتكلم في الإخلاص، ولا يحذر من الرياء، وهذا عليه فرض عين؛ لأنَّ في إهماله هلاكه، والأول فرض كفاية، ولو أنَّه سئل عن علة ترك المناقشة للنفس في الإخلاص والرياء لم يكن له جواب "

2) ومن المظاهر كذلك: الجرأة على الفتوى وتعجل التدريس.

قال الله تعالى: " آلله أذن لكم أم على الله تفترون " [يونس/59]

ومن تأمل سير السلف يعرف حقًا كيف كان هؤلاء الأكابر أكثر الناس علمًا وورعًا، فكانوا يهابون مما يقتحمه المتعالمون في هذه الأيام، ومما يقع فيه علماء السوء من شواذ المسائل.

قال أبو داود في مسائله: ما أحصى ما سمعت أحمد سئل عن كثير مما فيه الاختلاف في العلم فيقول لا أدري.

قال: وسمعته يقول ما رأيت مثل ابن عيينة في الفتوى أحسن فتيا منه، كان أهون عليه أن يقول لا أدري.

وقال عبد الله ابنه في مسائله سمعت أبي يقول وقال عبد الرحمن بن مهدي سأل رجل من أهل الغرب مالك ابن أنس عن مسألة فقال لا أدري فقال يا أبا عبد الله تقول لا أدري قال نعم فأبلغ من ورائك أني لا أدري.

وقال عبد الله: كنت أسمع أبي كثيرًا يسأل عن المسائل فيقول: لا أدري، ويقف إذا كانت مسألة فيها اختلاف، وكثيرا ما كان يقول: سل غيري فإن قيل له من نسأل قال سلوا العلماء ولا يكاد يسمي رجلا بعينه.

يقول ابن القيم: وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى.

قال عبد الرحمن ابن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أراه قال: في المسجد، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.

وقال سحنون بن سعيد: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه

فأين هؤلاء الأصاغر المتعالمون من أدب سلفنا الصالح، ولكنها الشهوة الخفية، وأين هؤلاء من الشروط والأسس التي وضعها سلفنا لحفظ جناب الدين من المتفيقهين.

قال الإمام أحمد: " لا ينبغي للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:

إحداها:: أن تكون له نية، أي أنْ يخلص في ذلك لله تعالى، ولا يقصد رياسة ولا نحوها، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور، إذ الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.

الثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة، وإلا لم يتمكن من فعل ما تصدى له من بيان الأحكام الشرعية.

الثالثة: أن يكون قويًا على ما هو فيه وعلى معرفته، وإلا فقد عرض نفسه لعظيم.

الرابعة:: الكفاية وإلا أبغضه الناس، فإنه إذا لم تكن له كفاية احتاج إلى الناس، وإلى الأخذ مما في أيديهم فيتضررون منه.

الخامسة: معرفة الناس.

ولعلك إن فتشت فيمن حولك عمن تنطبق فيه تلك الأوصاف لا يسعفك عد عشرة على أصابع اليدين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فحذار حذار من فتنة التصدر، وطلب الشهرة والجاه، فإنها ـ لعمر الله ـ قتالة للقلب، مفسدة له، دالة على سوء النوايا، وإنما من ابتلي بذلك صبر، ومن استراح من هذا شكر لو تعلمون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير