تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2. ومن العلامات أنه يشتهي المناظرة، ويبحث عن الجدل، ويكثر الكلام، ويهرف بما لا يعرف

قال الله تعالى: " وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً " [الكهف /54]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الْجَنّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقاّ، وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الْجَنّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كان مَازِحاً، وَبِبَيْتٍ في أعْلَى الْجَنّةِ لِمَنْ حَسّنَ خُلُقَهُ "

قال الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم شرا فتح عليهم الجدل، ومنعهم العمل.

قال معروف بن فيروز الكرخي: إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له باب العمل، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرًا فتح له باب الجدل، وأغلق عنه باب العمل.

وقال بعض السلف: إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا معجبًا برأيه فقد تمَّت خسارته.

وإنما يعطى الجدل الفتانون، فما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل، وما يشتهي المناظرة إلا الباحثون عن أعراض الدنيا الزائلة، وإنما كان الرجل من السلف لا يقع في المناظرة إلا اضطرارًا، وما زلَّ من زلَّ في هذا الباب إلا بسبب الرياء والسمعة، وإنما كان همُّ الأوائل الأعمال لا الأقوال، وصار قصارى همُّ بعضنا الآن الكلام طلبًا للظهور.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام، فان من ورائكم أياما الصبر فيهن القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم."

وهذه وصية نبوية غالية، تشير إلى أمراض خطيرة، وأوبئة دوية:

شح مطاع، هوى متبع، دنيا مؤثرة، عجب وإعجاب بالرأي

فيا لها من أمراض قتَّالة، وأوبئة فتَّاكة، تفتك بالدين، وتقتل الإخلاص، وإنَّما المرض العضال الحامل على كل هذا والمؤدي إليه: حب الظهور، وشهوة التصدر، والرغبة في الشهرة، والعلو على الأقران، فنسأل الله العافية من أمراض القلوب، ونسأله هو العلي القدير أنْ يرزقنا الإخلاص، وأنْ يجمعنا على الصالحين من عباده في الدنيا والآخرة.

عن عبد الله بن المبارك قال: قيل لحمدون بن أحمد: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟!!

قال: لأنَّهم تكلموا لعز الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس، وطلب الدنيا، ورضا الخلق.

قال أبو قلابة لأيوب السختياني: يا أيوب إذا أحدث الله لك علمًا فأحدث لله عبادة، ولا يكونن همك أن تحدث به الناس.

قال الحسن البصري: همة العلماء الرعاية، وهمة السفهاء الرواية.

فإذا لم تجد القول موافقًا للعمل فاعلم أنه نذير النفاق.

قال عبد الله بن المعتز: علم المنافق في قوله، وعلم المؤمن في عمله.

وحكى الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ عن أبى الحسن القطان ـ رحمه الله تعالى ـ قوله: أُصبت ببصري، وأظن أنى عوقبت بكثرة كلامي أيام الرحلة.

قال الذهبي: " صدق والله، فقد كانوا مع حسن القصد وصحة النية غالباً يخافون من الكلام، وإظهار المعرفة. واليوم يكثرون الكلام مع نقص العلم، وسوء القصد ثم إن الله يفضحهم، ويلوح جهلهم وهواهم واضطرابهم فيما علموه فنسأل الله التوفيق والإخلاص. أهـ

وعن معمر بن راشد قال: إنَّ الرجل يطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله.

قال الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ: " نعم يطلبه أولاً، والحامل له حب العلم، وحب إزالة الجهل عنه وحب الوظائف، ونحو ذلك، ولم يكن عَلِم وجوب الإخلاص فيه، ولا صدق النية، فإذا علم حاسب نفسه، وخاف من وبال قصده، فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها، وقد يتوب من نيته الفاسدة، ويندم، وعلامة ذلك أنه يُقْصِر من الدعاوى وحب المناظرة، ومن قَصْدِ التأثير بعلمه، ويُزْري على نفسه، فإن تَكَثَّر بعلمه، أو قال أنا أعلمُ من فلان فبعداً له ".

قال الأصبهاني:

اعمل بعلمك، تغنم أيها الرجل لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل

والعلم زين، وتقى الله زينته والمتقون لهم في علمهم شغل

وحجة الله يا ذا العلم بالغة لا المكر ينفع فيها لا ولا الحيل

تعلم العلم واعمل ما استطعت به لا يلهينك عنه اللهو والجدل

4) ومن العلامات الولع بالغرائب وتعمد البحث عن المهجور من الأقوال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير