تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[عقبات في طريق الالتزام 4 - (قسوة القلب)]

ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[16 - 02 - 08, 04:06 م]ـ

كثيراً ما يستعصي على أحدنا أن تمع عيناه أو ينكسر قلبه أو يقشعرَّ جلده لسماع واعظ الله , وتزداد حسرته وضيقه حين يرى دموع الخاشعين ويسمع خنين المنيبين , فيخشى أن يكون الله مقته ولم يرض له أن يبلغ هذا المبلغ من التأثر بكلام الله وآياته , ويورثه جمود العين وقسوة القلب ضيقا في صدره وتعسا في حياته -وإن ظنه الناس من الملتزمين السعداء - فهو يقول إن تامَّل حاله بقول القائل:

تضيق علي الأرضُ حتى كأنَّما ... خلقتُ وإياها سواراً ومعصماَ

ولعلاج هذه البلية إليكم كلماتٍ لشيخنا الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله تحدث فيها عن قسوة القلب وعلاجها.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال حفظه الله:

أعظم الأسباب التي يرق بها قلب العبد لربه تلاوة القرآن، فلا يلين القلب بشيء مثل كلام الله- عز وجل -، هذا الكتاب الذي لا تنتهي عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، إذا وضعه العبد فتأمله وتدبره وكان من المتعظين بكلام الله - عز وجل - رق قلبه لله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}

فمن أعظم نعم الله على العبد - مما يعين على رقة قلبه وخشوعه لله- عز وجل - كثرة تلاوة القرآن، التلاوة مع التدبر والتأثر: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ} فأرق الناس قلباً من إذا قرأ آيات الكتاب هزت فؤاده، وأخشعت قلبه، وشرحت صدره، يتلو آيات الله-جل وعلا- فتخرجه من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، تخرجه إلى الوعد فيطير فرحاً بوعد الله- عز وجل - واستبشاراً برحمته، وتأخذه إلى الوعيد فكأن زفير جهنم بين أذنيه، فينكسر لله قلبه ويخشع لله فؤاده، أسعد الناس في هذه الدنيا من جعل الله-عز وجل- القرآن ربيع قلبه، ونور صدره، وجلاء حزنه، وذهاب همه وغمه، ولذلك تجد أهل القرآن أرق الناس قلوباً؛ لأن الله كسر قلوبهم بمواعظه: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} القسوة مرض، والله يشهد أن شفاءها في كتابه، فلا يرق قلب العبد لله بشيء مثل كتاب الله، ولذلك قال النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لعبدالله بن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: ((اتلُ علي القرآن)) قال: " - يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ " قال: ((إني أحب أن اسمعه من غيري)) قال: فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت قول الله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً @ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} فقال لي: ((حسبك)) فنظرت فإذا عيناه تذرفان- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -، فكان أكمل الناس خشوعاً لكتاب الله، وكان يقرأ في صلاة الظهر وحتى يسمع لتلاوته كغلي المرجل من بكائه ورقته-عليه الصلاة والسلام- لكتاب الله-جل وعلا-، وكان السلف الصالح من الصحابة-رضوان الله عليهم- كانوا يخشعون لكتاب الله، فكان الواحد منهم أرق قلباً وأخشع فؤاداً وأشرح صدراً بكلام الله-جل وعلا-، ولربما يكون في سَوْرة الغضب فإذا ذكر بالآية من كتاب الله انكسر قلبه، ولربما تكون الدنيا بين يديه فإذا تلا شيئاً من كتاب الله أنفقها لوجه الله-جل وعلا-، فالذي يريد السعادة التامة الكاملة برقة قلبه وصلاح حاله فليضع كتاب الله أمامه إماماً له في كل خير وبر.

ومن أعظم الأسباب التي ترقق القلب: الدعاء، أن يسأل الله قلباً خشعاً وأن يستعيذ بالله من قسوة القلب، وأن يسأل الله أن يصرف عنه الفتن والمحن التي تقسي القلوب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير