* ومرة أخرى، دعي إلى مركز إسلامي، وكان هذا المركز متعدد الأدوار، فطُلب من الشيخ أن يصعد إلى الدور العلوي! فصعد الشيخ، ثم لما نزل، كأنه اتضح عليه بعض التعب، فقيل له في ذلك، قال: لا، أليس هذا في سبيل الله؟! أليس هذا في سبيل الله؟!!
فهو يحتسب كل شيء يعمله، ثم إذا احتسب هان عنده.
* ومن صبره وجلده ـ رحمه الله ـ مواظبته على الدرس، انظر الآن مع كثرة مشاغل الشيخ، وكبر سنه، ومع ما اعتراه من الأمراض، إلا أنه رحمه الله لا يترك الدرس أبداً! حتى أنه لما أصيب في ركبته، حضر الدرس على كرسيه المتحرك (عربيته)! ولم يترك الدرس.
* الشيخ بدأ التدريس في سن مبكر من عمره، بدأ التدريس في سنة 1357هـ، وقد ولد في الثلاثين، كما ذكر ذلك هو رحمه الله في مجموع الفتاوى في المجلد الثامن.
* كان يحضر الدرس قديماً بلا قائد، لأنه لم يكن له أحد يقوده، كان يحضر درس الفجر ولا يفوته أبداً، مع أنه لم يكن له قائد ثابت، فمرة يقوده أحد عماله أو من يكون في الشارع أو أحد أقاربه أو جيرانه أو طلابه، المهم هو: أن لا يتوقف على قائد يقوده، هو يحضر للدرس، إن جاء أحد يقوده أم لا، حتى عام 1413هـ حينما أنعم الله على إبنه أحمد فلازمه إلى وفاته يقوده رحمه الله تعالى.
* في حرب الخليج أُطلقت صواريخ على الرياض، وأُطلقت صاروخ قبل الفجر على الرياض بالتحديد في اليوم الخامس من شهر رجب من ذلك العام، فكان الناس في خوف ورعب، كما هو معلوم لديكم، فتخلف كثير جداً من الطلاب عن درس الفجر، فحضر قلة يُعدون على الأصابع، والذي فاجأهم أن الشيخ جاء على ما هو عليه! ما تغير عنده شيء أبداً، جاء والصواريخ تطلق على الرياض، وهو يأتي للدرس، ويلقي الدرس كما كان!!
* لما جاء الشيخ ليتزوج في القصيم، جاء والكتب معه، وكل من استضافه يقرأ، حتى في وقت الزواج يقرأ عليه، وألقى محاضرة في ثانوية بريدة!
* لما كان الشيخ في الدُلم قديماً، يُحدث عنه الشيخ عبد الرحمن بن جلال يقول: إنا خرجنا على أرجلنا, نحن والشيخ، وليس معنا سوى حمار واحد، وضعنا على الحمار أدوات القهوة والفُرش، وأصبحنا نمشي على الأرض والشيخ معنا، وجلسنا على بعد ثلاثة عشر كيلو متر من الدُلم, على النفود، فما أن جلسنا حتى قال الشيخ للقارئ: اقرأ، فبدأ يقرأ بعد صلاة المغرب، على نور بسيط من السراج، وفوجئنا بسحابة عظيمة وريح شديد، ونحن الآن على النفود، فجعلنا فُرشنا على رؤسنا من شدة المطر والريح، ثم قال لنا الشيخ بعزيمة وقوة: احملوا أغراضكم فوق الحمار، فحملنا أغراضنا على الحمار, ومشينا على أرجلنا والشيخ معنا، والشيخ كفيف الآن، ومشينا حتى وصلنا إلى إحدى المزارع التي أضيء فيها ضوء، بسبب أن أهلها أوقدوا فيها سعفاً يتدفئون عليه، فذهبنا إليهم، فما أن وصلنا وأخذنا مكاننا، حتى قال الشيخ للقارئ: واصل، اقرأ من الموقف الذي وقفت عليه!!
* في آخر أيام الشيخ، وهو في المستشفى العسكري في الطائف، كانت تقرأ عليه الكتب، حتى أنه في الساعات الأخيرة له رحمه الله، أمر من عنده أن يقرأ عليه كتاب فتح المجيد!
فدخل عليه الشيخ محمد الموسى ليطمئن على صحته، فقال له الشيخ: ماذا معك؟ هات ما عندك؟ قال: ما معي الآن شيء، عندي كتاب فتاوى اللجنة، المجلد الثاني عشر، خرج من المطبعة، وبعض المعاملات، وإني تركتها في السيارة، وما قدمت إلا للإطمئنان على صحتك، فقال الشيخ: ارجع وهاتها! قال: فجئت وقرأت عليه من فتاوى اللجنة أكثر من أربعين صفحة!! ثم بدأنا في المعاملات!!
* * * *
- 13 -
* الاهتمام البالغ في الكتب *
* ذُكِر له " المفهم في شرح صحيح مسلم " للقرطبي، فقال: هل طبع هذا الكتاب؟
قالوا: نعم.
قال: ائتوني بنسخة.
فكان يتابع الكتب رحمه الله، وهذا فيه ملحظ على أن طالب العلم لا يكتفي بما لديه من الكتب، بل عليه أن يكون طالب علم إلى الممات! ومن طلب العلم أن تشتري الكتب كلما استجدت، بل إنه لا يكفي طبعة عن طبعة، لأن طالب العلم منهوم لا يشبع، وطالب العلم الذي يكتفي ببعض الكتب عن بعض، ويقول بعضها يجزئ عن بعض، هذا في الحقيقة ليس بطالب علم!!
* * * *
- 14 -
* مواقف تربوية
مع التلاميذ والعلماء *
¥