ورواية سفيان الصحيحة هي ما قال فيها: عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ:)) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ((، فقال: ((آمين))، ومدّ بها صوته.
أقول: ومما يرجح رواية سفيان أنه قد توبع على ذلك تابعه العلاء بن صالح الأسدي ومحمد بن سلمة قال الترمذي
: ((وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث؟ فقال: حديث سفيان في هذا أصح، وقال: وروى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان))).
وينقسم الحديث الصحيح إلى قسمين: صحيح لذاته وصحيح لغيره، فالصحيح لذاته هو ما تقدم تعريفه، وقلنا: لذاته؛ لأن صحته ناشئة من نفسه دون إضافة شيء.
أما الصحيح لغيره: فهو الحديث الحسن الذي ارتقى بمتابع أو شاهد.
وقد تكلم العلماء في أصح الأسانيد فقيل: أصحها الزهري، عن سالم، عن أبيه.
وقيل: الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود.
وقيل: مالك، عن نافع، عن ابن عمر.
وقيل: محمد بن سيرين، عن عَبيدة عن علي.
وهذه تنفع عند الاختلاف، فما قيل فيه: أصح الأسانيد يرجح على غيره، وكذا يعرف به صحة الحديث.
وإذا قال المحدثون: صحيح الإسناد، أو إسناده صحيح، فهذا معناه: أنْ الحديث قد استكمل شروط الصحةِ الثلاثةِ الأولى، ولا يلزم منه أن يكون صحيحاً؛ إذ قد يكون شاذاً أو معلاً فلا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن، ولا من ضعف الإسناد ضعف المتن.
وإذا قال المحدثون: أصحُ شيءٍ في الباب فلا يعنون صحته، وإنما يعنون أنه أمثل شيءٍ في الباب.
أما أول من صنّف في الصحيح المجرد فهو الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المولود سنة (194 ه)، والمتوفى سنة (256 ه)، وقد طلب العلم صغيراً وله أحد عشر عاماً، وكان من أوعيةِ العلم، وكتابه أصحُ كتابٍ بعد كتاب الله، واسم الكتاب " الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننهِ وأيامهِ ".
ويستفاد من قوله: (الجامع) أنه يجمع الأحكام والفضائل والأخبار عن الأمور الماضية، والآتية، والآداب، والرقائق، والتفسير.
ويستفاد من قوله: (الصحيح) أنه احترز عن إدخال الضعيف في كتابهِ، وقد صح عن الإمام البخاري أنّه قال: ((ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح)).
ومن قوله: (المسند) أن مقصوده الأصلي تخريج الأحاديث المتصل إسنادها بالصحابةِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، وأنّ ما وقع في الكتاب من غير ذلك فإنما وقع تبعاً وعرضاً لا أصلاً ومقصوداً، وذكر للاستشهاد والاستئناس ليكون الكتاب جامعاً لمعاني الإسلام.
ثمَّ تبعه بجمع الصحيح تلميذه وخريجه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النَّيْسابوري المتوفى سنة
(261ه)، وقد استفاد من شيخه البخاري، وفاق البخاري من حيث التبويب، والترتيب، والجمع، والتنسيق، وكتاب البخاري أجود من حيث الصحة على رأي الجمهور.
هل استوعب الصحيحان جميع الصحيح؟
لم يستوعب الصحيحان جميع الصحيح، ولم يريدا ذلك، فقد قال البخاري: ((تركت من الصحاح لحالِ الطولِ))، وقال الإمام مسلم: ((ليس كل شيء عندي صحيح وَضعته هاهنا)).
وَيوجد في كتب العلم تصحيح للإمام البخاري ومسلم لكثيرٍ من الأحاديث، وتوجد كتب أخرى التزم مصنفوها الصحة لكنهم وقعوا في بعض الأخطاء منهم ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن السكن، والضياء في المختارة.
الدكتور ماهر ياسين الفحل
دار الحديث في العراق
[email protected]
ـ[ماهر]ــــــــ[05 - 08 - 04, 03:32 م]ـ
المحاضرة الثانية تتمات الصحيح 23/ جمادي الأولى /1425
المستخرجات: جمع مستخرج، وموضوع المستخرج، هو: أن يأتي المصنفُ إلى كتابٍ من كتب الحديث فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معهُ في شيخه أو من فوقهُ.
وشرطهُ: أن لا يصل إلى شيخٍ أبعد حتى يفقد سنداً يوصلهُ إلى الأقرب إلا لعذرٍ من علوٍ أو زيادة مهمة.
والمستخرجات على الصحيحين، وعلى غيرهما.
فعلى صحيح البخاري: مستخرج الإسماعيلي، ومستخرج البرقاني، ومستخرج الغطريفي، ومستخرج ابن أبي ذهل، ومستخرج أبي بكر ابن مردويه.
¥