تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هل تتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، الذي فُطر على التوحيد، الذي عصمه الله جلّ وعلا، هل تتصور أنه كان يدعو الله تبارك وتعالى وكان يعوذ بالله من علم لا ينفع، هل فكر كثيرٌ من طلاب العلم الجرءاء الآن على التطاول على الرموز، هل فكر كثيرٌ من هؤلاء الجرءاء الذين يتطاولون على العلماء ورموز هذه الأمة، هل فكر أحدهم في استعاذة رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع، هل هناك علم لا ينفع؟ نعم، هناك علم لا ينفع، العلم الذي لا يورث صاحبه الأدب لا ينفعه، العلم الذي لا يورث صاحبه الخشيه لا ينفع، العلم الذي لا يورث صاحبه التواضع لله ولرسول الله ثم لأهل العلم لا ينفعه، ? إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ? [فاطر: 28].

سئل الإمام أحمد مَن العالم؟ قال ليس العلم بكثرة الرواية والدراية، ولكن العلم خشية الله، قال تعالى ? إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ? [فاطر: 28].

روى مسلم وغيره من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)، الرسول صلى الله عليه وسلم، هل استعذت أنت بالله من علم لا ينفع؟ يعني لو سألت نفسي أنا ولو سألت الطلاب الآن بين يدي، ما هي آخر مرة استعذت فيها بالله تعالى من علم لا ينفع؟ ما هي آخر مرة؟ والله لو أذنت لنا ولإخواني الآن بين يدي بالجواب لانقلب إلي بصري خاسئًا وهو حسير، ما آخر مرة تضرعت فيها إلى الله وتململت بين يديه جلّ وعلا كتململ العصور المبلل بماء المطر واستعذت به تبارك وتعالى من علم لا ينفع، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعوة لا يُستجاب لها).

وكان علي-الله! ما أروع كلمات هذا الأثر- وإن كان في سنده ضعف أيضًا من باب الأمانة العلمية، والأثر رواه ابن ماجة والدارمي وكذا ذكره ابن عبد البر رحمه الله تعالى وغيره- كان علي - رضي الله عنه - يقول " يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل ووافق علمه عمله، وسيأتي أقوامٌ يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يقعدون حلقًا يباهي بعضهم بعضًا، حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن تركه جلس إلى غيره، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى الله عزّ وجلّ "، هل يجسد علي رضي الله عنه واقع كثير من طلاب العلم الآن؟، ".

يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل ووافق علمه عمله، وسيأتي أقوامٌ يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يقعدون حلقًا يباهي بعضهم بعضًا "، يحضر عندي ألف، والآخر يقول ويحضر عندي ألفان، وفي حلقتي طلاب العلم وفي حلقتك عامة المسلمين، مع أنهم محل دعوة الدعاة إلى الله جلّ وعلا، فلانُ عالم، وفلان؟ هذا واعظ، وفلان جاهل بالواقع، وفلان مازال في دورة المياه يعلم الناس أحكام قضاء الحاجة، وفلان عالم حيض وعالم نفاس، "

أقوامٌ يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يقعدون حلقًا يباهي بعضهم بعضًا، حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن جلس إلى غيره "، حتى لو ذهب إلى رجل من علماء أهل السنة، " حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن جلس إلى غيره، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى الله عزّ وجلّ ".

فالقضية إذًا أيها الأحبة قضية عمل، أنا أقول لطلابنا قد يكون من اليسير جدًا أن نقدم منهجًا نظريًّا في التربية والأخلاق، بل إن المنهج موجود، القرآن موجودٌ بين أيدينا، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم موجودة بين أيدينا، فمن اليسير جدًا أن نقدم منهجًا نظريًّا في التربية والأخلاق، لكن هذا المنهج سيظل حبرًا على الورق ما لم يتحول هذا المنهج في حياتنا إلى واقعٍ عمليٍّ ومنهج حياة، وهذا هو السر الذي من خلاله استطاع نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقيم للإسلام دولة من فتات متناثر وسط صحراء تموج بالكفر والجهل موجًا، فإذا بدولة الإسلام بناءٌ شامخٌ لا يطاوله بناء، وذلك في فترة لا تُساوي في حساب الزمن شيئًا على الإطلاق، وذلك يوم أن نجح نبينا صلى الله عليه وسلم في طبع عشرات الآلاف من النسخ من المنهج القرآني والنبوي، لكنه لم يطبعها بالحبر على صحائف الأوراق في بطون الكتب والمجلدات أو عبر أشرطة الكاسيت أو السديهات، وإنما طبعها صلى الله عليه وسلم على صحائف قلوب الصحابة بمداد من التقى والهدى والنور، فانطلق الصحب الكرام وحولوا هذا المنهج الرباني والقرآني والنبوي إلى منهج حياة، إلى واقع يتألق سموًّا وعظمة وصدقًا وإخلاصًا وعملا وبناءً.

فالفارق الكبير بيننا وبينهم أننا ربما نجد الآن عند كل طالب علم من الكتب والمجلدات والله ما لم تكن هذه عند السلف، والله ما كانت هذه الكتب والمجلدات بسمتها ورسمها وعددها وكمها عند السلف، ولكنهم حولوا هذا المنهج إلى عمل، فما أحوجنا أن نحول هذا العلم إلى عمل، وإلا فالعلم عاريةٌ لا يُنتفع به إلا إذا حوله صاحبه إلى منهجٍ عملي، ? وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ? [يوسف: 68]، قال قتادة "وإنه لذو علمٍ لما علمناه"، وعلا ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ? [الصف: 2، 3]، أكتفي بهذا القدر في هذه المسألة الثانية، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الصدق في القول والعمل والحال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

منقول بتصريف من شرح الاصول الثلاثة

الشيخ محمد حسان

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير