[أتدري يا ولدي ما الفرق بين علماء الحق وعلماء السوء، وكلهم آخذ من نور واحد لا يختلف]
ـ[عبدالملك السبيعي]ــــــــ[11 - 03 - 08, 10:57 م]ـ
يقول مصطفى صادق الرافعي في "وحي القلم": أتدري يا ولدي ما الفرق بين علماء الحق وعلماء السوء، وكلهم آخذ من نور واحد لا يختلف؟
أولئك في أخلاقهم كاللوح من البللور، يُظهر النورُ نفسه فيه، وهؤلاء بأخلاقهم كاللوح من الخشب، يظهر النور حقيقته الخشبية لا غير!
وعالم السوء يفكر في كتب الشريعة وحدها، فيسهل عليه أن يتأول ويحتال، ويغير ويبدل، ويظهر ويخفي، ولكن العالم الحق يفكر مع كتب الشريعة في صاحب الشريعة، فهو معه في كل حالة؛ يسأله: ماذا تفعل؟ وماذا تقول؟
والرجل الديني لا تتحول أخلاقه، ولا تتفاوت، ولا يجيء كل يوم من حوادث اليوم، فهي بأخلاقه كلها، لا يكون مرة ببعضها ومرة ببعضها، ولن تراه مع ذوي السلطان وأهل الحكم والنعمة كعالم السوء هذا؛ الذي لو نطقت أفعاله لقالت لله بلسانه: هم يعطوني الدراهم والدنانير، فأين دراهمك أنت ودنانيرك؟
إن الدينار يا ولدي إذا كان صحيحا في أحد وجهيه دون الآخر، أو في بعضه دون بعض، فهو زائف كله. [1]
قال عبد الرزاق: قدمنا مكة وقدمها الذي يقال له المهدي، فحضرت الثوري وقد خرج من عنده وهو مغضب فقال: أدخلت آنفا إلي ابن أبي جعفر، فقال لي: يا أبا عبد الله، طلبناك فأعجزتنا فأمكننا الله منك في أحب المواضع إليه، فارفع إلينا حوائجك، قال: فقلت: وأي حاجة تكون لي إليك وأولاد المهاجرين وأولاد الأنصار يموتون خلف بابك جوعا؟ فقال لي أبو عبيد الله: يا أبا عبد الله لا تكثر الفضول واطلب حوائجك من أمير المؤمنين، فقلت: مالي إليه من حاجة، لقد اخبرني إسماعيل بن أبي خالد أن عمر بن الخطاب – رضي الله عه - حج فقال لصاحب نفقته: كم أنفقنا في حجنا هذا؟ قال: اثنا عشر دينارا، قال: أكثرنا، أكثرنا، أو قال: أسرفنا، أسرفنا، وعلى أبوابكم أمور لا تقوم لها الجبال الراسيات. قال فقال لي ابن أبي جعفر: يا أبا عبد الله، أفرأيت إن لم اقدر أن أوصل إلى كل ذي حق حقه فما أصنع؟ قال: تفر بدينك وتلزم بيتك وتترك الأمر ومن يقدر أن يوصل إلى كل ذي حق حقه، قال فسكت، وقال لي أبو عبيد الله: أراك تكثر الفضول، إن كانت لك حاجة فاطلبها وإلا فانصرف، قال فانصرفت. [2]
والله لكأن الأمر بالمعروف في زماننا يبكي على سفيان؛ لكثرة علماء السوء الذين فرطحوا نعالهم أمام أبواب الحكام، ودبّجوا لهم فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان. [3]
قال أبو بكر ابن الطحان: كان في دولة الأفضل جعلوا الملاهي عند الدرج – يعني درج جيرون-، فجاء الحافظ – الأثري عبد الغني المقدسي - فكسر شيئا كثيرا، ثم صعد المنبر يقرأ الحديث، فجاء رسول القاضي يأمره بالمشي إليه ليناظره في الدف والشبابة، فقال: ذاك عندي حرام ولا أمشي إليه، ثم قرأ الحديث .. فعاد الرسول فقال: لابد من المشي إليه، أنت قد بطلت هذه الأشياء على السلطان، فقال الحافظ: ضرب الله رقبته ورقبة السلطان، فمضى الرسول وخفنا، فما جاء أحد. [4]
وأما سلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، فله السيرة الهمة العليا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. لما تحالف الصالح إسماعيل مع الصليبيين، تصدى له سلطان العلماء، فحرم ذلك وحرم بيع السلاح للفرنج، ولم يدعُ للصالح ... فاعتقله بعون حاشية الشيطان .. ثم سير الصالح إسماعيل بعض خواصه يستلطف الشيخ قائلا: بيني وبينك أن تعود إلى مناصبك، وما كنت عليه وزيادة، أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير .. وهنا قال سلطان العلماء كلمات استعلاء أهل العلم وعزة العقيدة: " والله يا مسكين، ما أرضاه أن يقبل يدي، فضلا أن أقبل يده .. يا قوم، أنتم في واد وأنا في واد .. الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به " ... ولما كان ملوك الفرنج يسمعون تلاوته ويرون حاله وعبادته في الحبس قالوا للصالح إسماعيل: لو كان هذا قسيسا لغسلنا رجليه، وشربنا مرقتها. [5]
هذا هو العالم الرباني .. أما علماء السوء فهم أقلمن أن ننشغل بحكاية خبر بعضهم، وأصدق وصف للفرد منهم:
يرمرمُ من فُتات الكفر قوتا == ويشرب من كؤوسهمُ الثمالهْ
يقبل راحة الطاغوت حينا == ويَلثَمُ دونما خجل نِعَالَهْ
¥