دفعوها يوم الأحد الماضي في الجامع الأزهر بقراءة متن "البخاري"، موزعاً كراريس على العلماء، وكبار المرشحين للتدريس، في نحو ساعة، جرياً على عادتهم من إعداد هذا المتن أو السلاح الجبري! لكشف الخطوب، وتفريج الكروب، فهو يقوم عندهم في الحرب: مقام المدفع والصارم والأسل (3)! وفي الحريق: مقام المضخة والماء! وفي الهيضة (4): مقام الحيطة الصحيحة، وعقاقير الأطباء! وفي البيوت: مقام الخفراء والشرطة! ... وإذا كان هذا السرُّ العجيب جاء مِن جهة أنَّ المقرر حديث نبوي، فلِمَ خُصَّ بِهذه المزية مؤلَّف "البخاري"؟! ولِمَ لَمْ يَجُز في هذا " موطأ مالك" وهو أعلى كعباً وأعرق نسباً وأغزر علماً؟! …
وإذا جَرَوْا على أنَّ الأمرَ مِن وراء الأسباب؛ فلِمَ لا يقرؤُه العلماء لدفع ألم الجوع، كما يقرؤونه لإزالة المغص، أو القيء، أو الإسهال؟! ... فإنَّا نعلم أنَّه -أي: صحيح البخاري- قرئ للعرابيين في واقعة " التل الكبير " -وهي في مصر- فلم يلبثوا أنْ فشلوا، ومُزِّقوا شرَّ ممزَّقٍ ... أمَّا أنا فلا أزال أُلِحُّ في طلب الجواب الشافي عن أصل دفع الوباء بقراءة الحديث، وعن منح "متن البخاري" مزيةً لم يُمنَحْها "كتاب الله" الذي نعتقد أنَّه متعبَّد بتلاوته دون الحديث ... أ. هـ"قواعد التحديث" (ص 264 - 267).
الأسباب وموقف المسلم منها:
قلت: وينبغي للمسلم أنْ يعلَم حقيقة "الأسباب" في التوحيد، وسأذكر ما تيسر مِن أقوال أئمَّتنا في ذلك.
أ. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولهذا قال طائفةٌ مِن العلماء، الالتفاتُ إلى الأسباب شركٌ في التوحيد، ومحوُ الأسبابِ أنْ تكون أسباباً؛ نقصٌ في العقل، والإعراضُ عن الأسباب بالكليَّةِ قدحٌ في الشرع، وإنَّما التوكل المأمور به: ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد، والعقل، والشرع. أ.هـ"مجموع الفتاوى" (10/ 35).
ب. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: يجب على العبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمورٍ:
الأول: ألاَّ يجعل منها سبباً؛ إلاَّ ما ثبت أنَّه سببٌ شرعاً، أو قدراً.
الثاني: أنْ لا يَعتمد العبدُ عليها، بل يعتمد على مسبِّبها، ومقدِّرها، مع قيامه بالمشروع منها، وحرصه على النَّافع منها.
الثالث: أنْ يعلم أنَّ الأسباب مهما عظمت، وقويت؛ فإنَّها مرتبطةٌ بقضاء الله وقدره لا خروجَ لها عنه. أ.هـ"القول السديد شرح كتاب التوحيد" (ص 34).
ج. وقال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين حفظه الله: والنَّاس في الأسباب: طرفان ووسط.
الأول: مَن يُنكر الأسباب، وهم كل مَن قال بنفي حكمة الله كالجبريَّة، والأشعريَّة.
الثاني: مَن يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسببٍ سبباً؛ وهؤلاء هم عامَّة الخرافيين مِن الصوفيَّة، ونحوهم.
الثالث: مَن يؤمن بالأسباب وتأثيراتِها، ولكنَّهم لا يثبتون مِن الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه، ورسوله سبباً شرعيّاً أو كونيّاً أ. هـ"القول المفيد" (1/ 159 - 160).
والله أعلم
(1) وهو يردُّ بذلك على ابن أبي جمرة، وغيره، ممن ذكرهم صاحب "تحفة الأحوذي" - ولم ينكر عليهم، بل أقرهم!
(2) وكيف يكون صحيح البخاري ترياقاً وقد أصاب صاحبَه نفسَه -أي الإمام البخاري- ما أصابه من الشدائد، والغمِّ، والهمِّ، حتى إنَّه سأل الله أن يقبضه إليه!؟، ثمَّ يزعم الزاعمون أنَّ "الصحيح" يفرج الهموم ويحفظ المراكب!
(3) الأسل: الرماح والنبل.
(4) الهيضة: المرضة بعد المرضة.
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[18 - 09 - 02, 08:33 م]ـ
بورك فيك يا شيخ إحسان.
الغريب أن بعض المتصوّفة عندما قرأوا بعض المواضع من [صحيح البخاري] فرأوا أنّ فيه ما ينافي معتقهم، قالوا:
[البخاري وهّابي]:).
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[18 - 09 - 02, 08:52 م]ـ
أضحك الله سنك أخي خليل.
وهذا يذكرني ببعض الكذابين الذين جمعوا مع الكذب الغباء.
فحين سمع باختلاف العلماء في سماع الحسن من أبي هريرة ساق بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(سمع الحسن من أبي هريرة)!: D
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[19 - 09 - 02, 07:25 ص]ـ
حدثني بعض مشايخي، وكان من أهل مصر، من سكان القرى، أنه كانت لجدِّه نسخة عتيقة من صحيح البخاري، وكانت محل تقديس وتعظيم من أهالي تلك القرية التي كان فيها، وقد نسيتها الآن.
قال: فكان إذا أرادوا أن يحلِّفوا أحداً على أمر عظيم أتوا بتلك النسخة في غاية الرهبة والخشوع والسكينة، ثم حلَّفوا ذلكم المسكين الذي سيحيق به النكد والشؤم إلى يوم القيامة إن كان كاذباً فيما ادَّعاه، ولذا فإنَّ كثيراً من هؤلاء لا يجرؤ على الحلف؛ بل إنه ينهار معترفاً حين يعرض عليه الأمر ويؤتى بنسخة الكتاب!
ـ[النوراني]ــــــــ[19 - 09 - 02, 05:07 م]ـ
هنا مناقشة رائعة لهذه المسألة:
http://www.muslm.net/cgi-bin/showflat.pl?Cat=&Board=islam&Number=102909&page=1&view=collapsed&sb=5
¥