تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يصرح بسماعه من نافع، وَهُوَ قَدْ سَمِعَ من نافع أحاديث كثيرة، فهُوَ معروف

بالرواية عَنْهُ، وروايته عَنْهُ في الكتب الستة. ولكن النقاد ببصيرتهم الناقدة

ونظرهم الثاقب كشفوا أنَّ في هَذَا السند واسطة بَيْنَ ابن جريج ونافع، وأن ابن

جريج لَمْ يسمعه من نافع مباشرة، بَلْ سمعه من عَبْد الكريم بن أبي المخارق الضعيف، وَقَدْ صرّح ابن جريج في بعض طرق الْحَدِيْث بهذا الساقط، فبان تدليسه؛ فَقَدْ رَوَى

عَبْد الرزاق في مصنفه (15924) – ومِنْ طريقه ابن ماجه في سننه (308))، وأبو عوانة في مسنده (4/ 25)، وابن عدي في الكامل (7/ 40)، وتمام

الرازي في: الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام (1/ 203 (148) والحاكم في: المستدرك (1/ 158)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 102) - عَن ابن جريج، عَنْ عَبْد الكريم بن أبي المخارق، عَنْ نافع، بِهِ.

ومن بدائه علم الْحَدِيْث أن حَدِيْث الثقة ليس كله صحيحاً، كَمَا أنّ حَدِيْث الضعيف ليس كله ضعيفاً، ومعرفة كلا النوعين من أحاديث الفريقين ليس بالأمر اليسير إنما يطلع عَلَى ذَلِكَ الأئمة النقاد الغواصون في أعماق ما يكمن في الروايات من صحة أو خطأ، لذا فتّش العلماء في حَدِيْث ابن أبي المخارق هل توبع عَلَيْهِ، أم أخطأ فِيْهِ؟ وخالف الثقات الأثبات أم انفرد؟ فنجدهُمْ قَدْ صرّحوا بخطأ ابن أبي المخارق لمخالفته الثقات الأثبات في ذَلِكَ، قَالَ البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 45) – بَعْدَ أن ضعّف حَدِيْث ابن أبي المخارق -: ((عارضه خبر عبيد الله بن عمر العمري الثقة المأمون المجمع عَلَى ثقته، ولا يُغتر بتصحيح ابن حِبّان هَذَا الخبر من طريق هشام بن يوسف، عَن ابن جريج عَنْ نافع، عَن ابن عمر. فإنه قَالَ بعده: أخاف أن يَكُوْن ابن جريج لَمْ يسمعه من نافع، وَقَدْ صحّ ظنُّه، فإنّ ابن جريج إمّا سمعه من ابن أبي المخارق كَمَا ثبت في رِوَايَة ابن ماجه هَذِهِ والحاكم في المستدرك واعتذر عَنْ تخريجه أنه إنّما أخرجه في المتابعات)).

وَقَالَ الترمذي: ((إنما رفع هَذَا الْحَدِيْث عَبْد الكريم بن أبي المخارق، وَهُوَ ضعيف عِنْدَ أهل الْحَدِيْث، ضعّفه أيوب السختياني وتكلم فِيْهِ. وروى عبيد الله، عَنْ نافع عَن ابن عمر قَالَ: قَالَ عمر ?: ما بلتُ قائِماً منذُ أسلَمْتُ. وهذا أصح من حَدِيْث عَبْد الكريم)) الجامع الكبير للترمذي 1/ 61 - 62 عقيب (12).

أقول: رِوَايَة عبيد الله الموقوفة أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه (1324)، والبزار في مسنده (وَهُوَ المسمى بـ: البحر الزخار (149)، والحديث أيضاً في كشف الأستار (244)) من طريق عبيد الله بن عمر، عَنْ نافع، عَن ابن عمر، عَنْ عمر موقوفاً، وَهُوَ الصواب.

ومما يدل عَلَى عدم صحة حَدِيْث ابن أبي المخارق أن الحافظ ابن حجر قَالَ:

((وَلَمْ يثبت عَن النَّبِيّ ? في النهي عَنْه شيء)) فتح الباري 1/ 330.

بَعْدَ هَذَا العرض السريع بان لنا واتضح أن التدليس سبب من أسباب الاختلافات في الأسانيد والمتون؛ إِذْ إنه قَدْ يسفر عَنْ سقوط رجلٍ من الإسناد فيخالف الرَّاوِي غيره من الرُّوَاة.

وما دمت قد مهدت عن التدليس وأنواعه فلا بد أن أذكر أموراً أخرى تتعلق بالتدليس، وهي كما يأتي:

أولاً. حكم التدليس، وحكم من عرف بِهِ:

مضى بنا في تعريف التدليس لغة أنّ مجموع معانيه تؤول إلى إخفاء العيب، وليس من معانيه الكذب، ومع ذَلِكَ فَقَد اختلف العلماء في حكمه وحكم أهله.

فَقَدْ ورد عن بعضهم ومنهم - شعبة - التشديد فِيْهِ، فروي عَنْهُ أنه قَالَ:

((التدليس أخو الكذب) وَقَالَ أَيْضاً: ((لأنْ أزني أحب إليّ من أن أدلس)).

ومنهم من سهّل أمره وتسامح فِيْهِ كثيراً، قَالَ أبو بكر البزار: ((التدليس ليس بكذب، وإنما هُوَ تحسين لظاهر الإسناد)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير