تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[لذة العبادة .. وطرق تحصيلها]

ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[02 - 04 - 08, 07:06 م]ـ

روى الإمام البخاري وغيره عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه- كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم - أو تنتفخ - قدماه، فقيل له: يارسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنب؛ وما تأخر؟ فقال: >أفلا أكون عبداً شكوراًصليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المئة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذ مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه< -رواه مسلم-.

هذا كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق ابن رواحة رضي الله عنه حين قال:

وفينا رسول الله يتلو كتابه

إذا انشق معروف من الفجر ساطع

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا

به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

وجاء في كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي: عن سفيان بن عيينة قال: كان قيس بن مسلم يصلي حتى السحر، ثم يجلس فيهيج البكاء فيبكي ساعة بعد ساعة ويقول: لأمر ما خلقنا، لأمر ما خلقنا، وإن لم نأت الآخرة بخير لنهلكن.

وزار يوماً محمد بن جحادة فأتاه في المسجد فوجده يصلي، فقام قيس في الجانب الآخر يصلي دون أن يشعر به ابن جحادة .. فمازالا يصليان حتى طلع الفجر.

وفي سير أعلام النبلاء للذهبي: كان عبدالعزيز بن أبي رواد يوضع له الفراش لينام، فيضع عليه يده ويقول: ما ألينك، ولكن فراش الجنة ألين منك، ثم يقوم فيصلي.

وعن معادة العدوية زوجة صلة بن أشيم، قالت: كان صلة بن أشيم يقوم الليل حتى يفتر فما يجيء إلى فراشه إلا حبواً، إنها لذة الطاعة ..

إن كل هذا الذي سقناه من كثرة الصلاة وطول القيام فيها، وصبر النفس على تحمل مشاق البدن ليدل على أن هناك شيئاً يحمل المتعبدين على الإقبال على عبادتهم من غير ملل، والوقوف فيها من غير نظر إلى تعب أو كلل .. وهذا الشيء لاشك ينسي النفس همومها، ويورث القلب تعلقاً يشغله به عن الإحساس بالتعب، أو حتى الالتفات إلى تورم القدم، ثم تفطرها وتشققها من طول الوقوف .. إنها لذة الطاعة .. وحلاوة المناجاة .. وأنس الخلوة بالله .. وسعادة العيش في مرضاة الله .. حيث يجد العبد في نفسه سكينة، وفي قلبه طمأنينة، وفي روحه خفة وسعادة، مما يورثه لذة لا يساويها شيء من لذائذ الحياة ومتعها، فتفيض على النفوس والقلوب محبة للعبادة وفرحاً بها، وطرباً.

أما طرق تحصيل العبادة فكثيرة لا تزال تزداد حتى تملأ شغاف القلب، فلا يرى العبد قرة عينه وراحة نفسه وقلبه إلا فيها، كما قال سيد المتعبدين صلى الله عليه وسلم: >حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء .. وجعلت قرة عيني في الصلاة< أي منتهى سعادته صلى الله عليه وسلم وغاية لذته في تلك العبادة التي يجد فيها راحة النفس واطمئنان القلب، فيفزع إليها إذا حزبه أمر أو أصابه ضيق أو أرهقه عمل، وينادي على بلال: >أرحنا بها .. أرحنا بها

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير