ـ[عبدالعزيز فؤاد]ــــــــ[25 - 04 - 08, 03:24 ص]ـ
الأخ الفاضل أحمد إبراهيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لم أرى ردكم الأخير إلا الآن وأنا مشغول جداً ولكن أحببت أن تقرأ هذا الكلام النفيس وهو منقول من كتاب (منطلقات طالب العلم للشيخ محمد حسين يعقوب):
كيف نطلب علم الفقه؟
يقول الشيخ عبد العزيز القارئ ـ حفظه الله ـ في كتابه " برنامج عملي للمتفقهين ": وقد وجدنا لمن يطلب الفقه بالجلوس في حلقات أهل العلم أنَّ أحكم طريقة وأسرع وأحسن وسيلة توصله إلى غايته أن يتخذ واحداً من المذاهب الأربعة وسيلة للتفقه في الشريعة أي أن يتمذهب.
ولماذا أخص هذه المذاهب الفقهية الأربعة بالذكر؟
لأن باقي المذهب الفقهية إما قد اندرس أكثرها، مثل: الأوزاعية، السفيانية، وإما هو غير معتبر كالظاهرية، فلذلك أحسن وسيلة للتفقه في الشريعة أن تتمذهب بواحد من المذاهب الأربعة، تختار أحدهم فكلها طرق للتفقه في الشريعة.
وهذه المذاهب الأربعة نقلتها الأمة بعناية فائقة، وتضافرت على ذلك، حتى وصلتنا مخدومة متبوعة، لها أتباع كثيرون، وتسابق العلماء على خدمتها بالشرح والتأليف، والتأصيل والتفريغ، والاستدلال والاستنباط، وتخريج الأدلة والنصوص، والترجمة لفقهاء المذاهب، وبيان أحوالهم، فشكلت هذه المذاهب مدارس فقهية زاخرة، غنية بالثروة الفقهية اليافعة المرموقة.، ولذلك ـ يا متفقه ـ إذا اخترت مذهباً منها فاتخذته وسيلة للتفقه في أحكام الشريعة، فإنك ترتع في دوحات تلك المدرسة، وتروى غليلك وظمأك من أنهارها وثمارها، فكل مذهب منها مدرسة فقهية قائمة، تضافر العلماء على خدمتها، فتجد في ظلال هذه المدارس الأربعة الفقهية من وسائل الفقه ما لا تجده في غيرها من المذاهب. لماذا أقول هذا؟
رداً على بعض العلماء المتأخرين، وهو ـ الشوكاني رحمه الله ـ فإنه دعا المتفقهين إلى التفقه بعيداً عن هذه المذاهب الأربعة، ولما درست كلام الشوكاني من خلال ما كتب في كتابيه " أدب الطلب " و" القول المفيد في الاجتهاد والتقليد "، وجدت أنَّ دعوته هذه كانت رد فعل وقتي للجمود الذي سيطر، والتعصب الذي استفحل في عصره ـ رحمه الله ـ وهو من أهل القرن الثالث عشر، خاصة في بلده اليمن، فأراد الشوكاني أن يكسر من حدة هذين الداءين بهذه الدعوة، ولكنه لا يعنى هذا أن هذا المنهج الذي يدعو إليه قابل للتطبيق، أو أنه عند التطبيق نتائجه محمودة، إنه ليس حلاً معقولاً، ولا حلاً عملياً أن يتفقه المتفقهون بعيداً عن هذه المدارس الفقهية الكبرى الزاخرة الغنية، ولذلك فإن الذين حاولوا من المتفقهين أن ينفذوا رأى الشوكاني ـ رحمه الله ـ فروا من كتب المذاهب الأربعة إلى كتب الشوكاني نفسه، فاقتربوا من التمذهب، ولكن بمذهب الشوكاني.
وأما الذين حاولوا أن يتفقهوا في الشريعة بواسطة كتب المحدثين ـ رحمهم الله ـ فالغالب أنهم يتشتتون، ويضيعون.
فعليك ـ يا متفقه ـ أن تتخذ التمذهب وسيلة إلى التفقه في أحكام الشريعة، وسيلة وليس غاية، أما إذا وقعت في داء التعصب والجمود، انقلب التمذهب حينئذ غاية، وحينئذ لا تصل إلى الغاية التي هي معرفة حكم الله، تحجبها سحب الجمود، ويحجبها غبار التعصب؛ لذلك ليس معنى اقتراحنا عليك ـ أيها المتفقه ـ أن تتخذ التمذهب بأحد المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة وسيلة للتفقه، أننا نبيح لك التعصب "
ثم قال: " فالمبتدئ في أول طريق التفقه لا يستغني أبداً عن تلقى الفقه بواسطة هذه المتون الفقهية، حتى إذا درب بالفقه واعتاده، وبدأت ملكته تنشأ عنده، وبدأت لغته تطبعها بطابعها، وتكتسب الدربة أيضاً على فهم ما في النصوص من أحكام ظاهرة أو خفية، وأدرك أنواع الدلالات وطرق الاستنباط، حينئذٍ يرتقى درجات السلم شيئاً فشيئاً، حتى يقدر على الترجيح، ثم الاجتهاد في حدود المذهب، فالمجتهدون درجات: مجتهد مسألة، ومجتهد مذهب، ومجتهد مقارن بين المذاهب، ومجتهد إمام مطلق.
¥