و وَصْلُ علومِ الأدب بعلوم الدين من هذا الوجه يؤكد حقيقةً يؤمن بها شيخنا وهي " أن الثقافة والدين وجهان لحقيقة واحدة ". و " أنّ العلوم التي استنبطها علماء الإسلام في اللغة والأدب هي دين في صورة علم , وأنّ الثقافة النصرانية والآداب النصرانية هي (نصرانية) في صورة معرفة , وأنّ شيوع علوم النصرانية في ديار الإسلام هي طلائع تبشير , وأن تغييب علوم الإسلام في ديار الإسلام هو تغييبٌ للإسلام ". (مدخل إلى كتابي عبد القاهر الجرجاني ص 7,6).
كيف تنهض الأمم:
وممّا لم يَخْلُ منه كتابٌ من كتب شيخنا ـ تنبيهُهُ على أنّ من " الحقائق المقررة أنّ نهضاتِ الأمم لا تكونُ إلا بعقولِ أبنائها, واجتهاداتِهم الخلّاقةِ, وأنّ تجديد العلوم والمعارف ليس له إلّا طريقٌ واحدٌ, وهو أنْ نُعْمِلَ عقولَنا في هذه العلوم والمعارف ,وأنْ نستخرجَ مضموناتِها المضمراتِ في كلماتها, أو التي هي مندسّةٌ مُبْهَمةٌ في نفوس كاتبيها ,غمغمتْ بها آثارهم غمغمةً تائهةً, لا يلتقطها إلا الباحث الدَّرِب ". (القوس العذراء وقراءة التراث ص 5).
وقد حرص شيخنا في غير موضعٍ من كتبه على بثِّ هذه الحقيقة ,مؤكِّدًا على أنه " لم تُعْرَفْ أُمّةٌ بَنَتْ حضارتَها بعقول غيرها, ولا جدَّدَتْ معارفَها بمعارف غيرها ". وأنّه لن يكون هناك نموٌ معرفيٌّ إلّا " إذا كان الامتدادُ امتدادًا من داخل الحياة الفكرية والأدبيّة ,يتناسلُ بعضُهُ من بعض, كما يتناسلُ جيلٌ من جيل ,ولن يكون هناك تطوّرٌ إلا إذا استُخرِجتْ هذه المرحلةُ مما قبلها ,ولنْ يتمَّ هذا إلا إذا دارتْ عقولُنا وقلوبُنا في هذا الفكر الذي بين أيدينا ,ودارتْ به, وعانَتْ تحليلَهُ و الاستنباطَ منه, وكانت هذه المادةُ هي مادة الدرسِ في حلقات العلم في كل جامعة ,ومادة النظر بين يديّ كلِّ كاتبٍ ". (القوس العذراء وقراءة التراث ص 6,5).
أبو موسى ودراسة النص:
وقد تعدد احتفاء شيخنا بالنص البلاغي العلمي والأدبي, وتنوّع تنوّعًا أثرى دراساته وكتبه؛فقد شملت كتبه دراسة النصوص البلاغية ونصوص العلم وكان يقصد فيها إلى تمييز مراتب الكلام, من النص العالي المعجز ,إلى كلام المقتدرين من ذوي اللسن؛ فقام بعضها على دراسة النص القرآني وما يتّصل به ,كما ترى في كتابه (البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسات البلاغية) وكتابه (من أسرار التعبير القرآني، دراسة تحليلية لسورة الأحزاب) ,وكتابه (الإعجاز البلاغي) ومباحثَ من كتابه (دراسة في البلاغة والشعر) ,وقامت بعضُها على دراسة الحديث الشريف كما تجد في كتابه (شرح أحاديث من صحيح البخاري , دراسة في سمت الكلام الأول) , ومباحث متفرقة من كتبه الأخرى. وقامت بعضُها على دراسة نصوص الشعر ,كما تجد في كتابه (قراءة في الأدب القديم) , وفي مواضع متفرقة من كتبه (دراسة في البلاغة والشعر, والتصوير البياني ,وخصائص التراكيب , ودلالات التراكيب ,وهذا الأخير هو عينه التصوير البياني في طبعةٍ منقحة له ,وكان الشيخُ قد أصدر كتاب الخصائص باسم دلالات التراكيب ,في طبعة بنغازي ,ثمّ أخلص الخصائص لعلم المعاني , ودلالات التراكيب لعلم البيان , ثم أصدر التصوير البياني) ,وعني الشيخ على نحوٍ خاص بالشعر الجاهلي ,الذي أصدرُ فيه كتابًا جديدًا, يتناول فيه فكرة (منازع الشعراء) ,و هي التي أشرتُ إليها في صدر الكلام, وعنوان كتابه هذا: (الشعر الجاهلي دراسة في منازع الشعراء).
وعُرِفَ الشيخُ بفهمه العميق للشعر ,لاسيما الجاهلي منه, وهذا من أهم سماته!
و دراسة شيخنا للنص وما فيه من خصائص التراكيب ودلالاتها ـ يمكن أن تكون محل نظر باحث يُفرد لها بحثًا مستقلًا!
وقد قامت كثيرٌ من الرسائل العلمية التي أشرف عليها حفظه الله على المنهج البلاغي الرصين في استخراج معاني الكلام من مباني المرام.
منهجه في التدريس:
من أهم ما يميّز الشيخ أنه لا يعتمد في تدريسه طلابه على الملخصات والمذكرات؛كما يفعلُ الكثرة الكاثرة من أساتذة الجامعات! ولكنه حريصٌ على أن يصلَ طلابَه بكتب أهل العلم ,فكانت نصوص عبد القاهر والسكاكي والقزويني بين يدي طلابه في المرحلة الجامعية! و للشيخ نفَسٌ طويلٌ في الصبر على شرح مسائل العلم, و وصل طلابه بمواطن الجمال في نصوص القرآن والشعر.
¥