تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ركعتين في جوف الليل؟ لكن من الذي يلقى مثل هذه الأعمال؟ {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [(35) سورة فصلت].

لو ننظر بمقاييسنا أن صاحب العقد العظيم الذي جمع هذه الأموال ثم ماذا؟ يروح ويتركها ويقتسمها الورثة، وقد يحصل بينهم أدنى مشكلة فيدعون عليه الذي هو السبب في هذه المشكلة، وعليه الآثام، ولهم الغنم، الغنيمة الباردة للوارثة، وعليه إثمها وحسابها إن كان قد ارتكب شيئاً من المخالفات.

فتجد هذا يتلقى هذه المصائب بقلب منشرح ونفس مطمئنة، وتسليم ورضا بأقدار الله المؤلمة، وذلكم لأن الإيمان بالقضاء حلوه ومره خيره وشره ركن من أركان الإيمان، الذي لا يصح إلا به، والموحد حر من رق العباد، حر من رق العباد والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم، وهذا هو العز الحقيقي والشرف الغالي، تجد بعض الناس حينما يكون رجاؤه معلق بشخص تجد حياته دائماً في خوف وفي وجل من هذا الشخص؛ لئلا يطلع على شيء منه لا يرضاه، وإذا تعلق بآخر كذلك، وهكذا تجد حاله دائماً مضطربة، لا يبلغه كلمة، ولا يرى فعلاً يبغضه، فالموحد حر من رق العباد ومن التعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم وهذا هو العز الحقيقي والشرف الغالي، فيكون بذلك متألهاً متعبداً لله، فلا يرجو سواه، ولا يخشى غيره، ولا ينيب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، وبذلك يتم فلاحه ونجاحه في الدنيا والآخرة، وما أروع المثل الذي ضربه الله -جل وعلا- للموحد والمشرك، وأمثال القرآن من أولى ما يعنى به طالب العلم؛ لأنه بالمثال يتضح المقال، والله -جل وعلا- قال عنها: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] يعني تمر على المثل ولا تفهمه وأنت تدعي العلم هذا منفي في القرآن، فعلينا أن نعنى ونهتم لهذه الأمثال أمثال القرآن.

ما أروع المثل الذي ضربه الله -جل وعلا- للموحد والمشرك قال -جل وعلا-: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [(29) سورة الزمر].

ضرب الله مثلاً أي للمشرك والموحد رجلين مملوكين، هذا مملوك وهذا مملوك، لكن هذا مملوك لشخص واحد، وهذا مملوك لأشخاص، رجل فيه شركاء متشاكسون أي سيئو الأخلاق، يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة، إذا أرسله أحدهما إلى المحل الفلاني قال: لا، روح إلى المحل الفلاني، إذا فعل قال الثاني: لا، لا تفعل هذا افعل كذا، إذا لبس قال: لا، لا تلبس هذا الثوب البس الثوب وهكذا، واحد يأمره وواحد ينهاه، شركاء متشاكسون أي سيئو الأخلاق، يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة فلا يزال متحيراً متوجع القلب لا يدري أيهم يرضي بخدمته؟ وعلى أيهم يعتمد في حاجته؟ ورجلاً سلماً لرجل أي: خلص ملكه له لا يتجه إلا إلى جهته، ولا يسير إلا لخدمته، فهمه واحد وقلبه مجتمع، همه واحد وقلبه مجتمع، هل يستويان؟ أي صفة وحالاً، أي في حسن الحال وراحة البال، كلا، وهكذا حال من يثبت آلهة شتى لا يزال متحيراً خائفاً لا يدري أيهم يعبد؟ وعلى ربوبيته أيهم يعتمد؟ وحال من يعبد إلا إلهاً واحداً فهمه واحد، ومقصده واحد، ناعم البال، خافض العيش والحال.

والمقصود أن توحيد المعبود فيه توحيد الوجهة، ودرء الفرقة، كما قال -جل وعلا- عن يوسف -عليه السلام- أنه قال: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [(39) سورة يوسف] الحمد لله يعني ننتبه لهذه الجملة {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [(29) سورة الزمر] لماذا عقب المثل بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [(29) سورة الزمر] وهذا هو المناسب لدرسنا، الحمد لله، يقول أبو السعود في تفسيره: هذا تقرير لما قبله من نفي الاستواء بطريق الاعتراض، وتنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية بتوفيق الله تعالى، وأن هذه نعمة جليلة موجبة عليهم أن يداوموا على حمده وعبادته أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل أن لهم المثل الأعلى وللمشركين مثل السوء، صنع جميل، ولطف تام منه -عز وجل-، مستوجب لحمده وعبادته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير