تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الناس بجميع طبقاتهم ينظرون لواقع أهل العلم ويعاملونهم من خلال ما يشاهدون ويسمعون، ولو أن علماء اليوم وطلبة العلم قاموا بواجب العلم وتزيوا بزي العلماء ظاهرا وباطنا لكان للناس حكاما ومحكومين خاصة وعامة شأن آخر أنتم تعلمون كيف هو مع بعض العلماء الذين رحلوا عنا من قريب.

يقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: إخواني: اسمعوا نصيحة من قد جرب وخبر.

إنه بقدر إجلالكم لله عز وجل يجلكم وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم.

ولقد رأيت والله من أنفق عمره في العلم إلى أن كبرت سنه ثم تعدى الحدود فهان عند الخلق وكانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة علمه وقوة مجاهدته.

ولقد رأيت من كان يراقب الله عز وجل في صبوته ـ مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم ـ فعظم الله قدره في القلوب حتى علقته النفوس ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير.

ورأيت من كان يرى الاستقامة إذا استقام فإذا زاغ مال عنه اللطف ولولا عموم الستر وشمول رحمة الكريم لا فتضح هؤلاء المذكورون غير أنه في الأغلب تأديب أو تلطف في العقاب كما قيل:

(ومن كان في سخطه محسنا ... فكيف يكون إذا ما رضي)

غير أن العدل لا يحابي وحاكم الجزاء لا يجور وما يضيع عند الأمين شيء. انتهى كلامه رحمه الله.

وقد أحسن القائل:

فإن قلت زند العلم كاب فإنما ... كبا حين لم نحرس حماه وأظلما

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه فهونوا ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما

ويروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: سيأتي على الناس زمان تملح فيه عذوبة القلوب فلا ينتفع بالعلم يومئذ عالمه ولا متعلمه فتكون قلوب علمائهم مثل السباخ من ذوات الملح ينزل عليها قطر السماء فلا يوجد لها عذوبة وذلك إذا مالت قلوب العلماء إلى حب الدنيا وإيثارها على الآخرة فعند ذلك يسلبها الله تعالى ينابيع الحكمة ويطفئ مصابيح الهدى من قلوبهم فيخبرك عالمهم حين تلقاه أنه يخشى الله بلسانه والفجور ظاهر في عمله فما أخصب الألسن يومئذ وما أجدب القلوب.

وقال كعب رحمه الله: يكون في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون ويخوفون الناس ولا يخافون وينهون عن غشيان الولاة ويأتونهم ويؤثرون الدنيا على الآخرة يأكلون بألسنتهم يقربون الأغنياء دون الفقراء يتغايرون على العلم كما تتغاير النساء على الرجال يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره أولئك الجبارون أعداء الرحمن.

وقال الغزالي رحمه الله في الإحياء عن العلماء الربانيين: فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين لكونهم اتكلوا على فضل الله تعالى أن يحرسهم ورضوا بحكم الله تعالى أن يرزقهم الشهادة فلما أخلصوا لله النية أثر كلامهم في القلوب القاسية فلينها وأزال قساوتها، وأما الآن فقد قيدت الأطماع ألسن العلماء فسكتوا وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا، ففساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر والله المستعان على كل حال. انتهى.

وفي الختام أقول إن إعادة مكانة العلماء إلى سابق عهدها إنما يكون بإصلاح العلماء وطلبة العلم لأنفسهم وتوجيه اللوم لها قبل غيرها، فانتصار الأمة وعلو شأنها منوط بعد الله بقيام خيار الأمة بواجبهم الذي كلفوا به وصيانة العلم الذي حفظوا إياه، فإذا كان خيار الأمة وأفاضلها من أهل العلم قد غيروا وبدلوا إلا من رحم الله فإنه يخشى عليهم وقوع الاستبدال الذي توعد الله به الذين قعدوا وتولوا عن صراطه المستقيم حيث قال: (إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة:39]، وقال: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير