اشتكى سلمان الفارسي فعاده سعد بن أبي وقاص فرآه يبكي فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي أليس قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس؟ أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين ما أبكي ضنّاً للدنيا ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ عهداً فما أراني إلا قد تعديت! قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إليَّ أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب ولا أراني إلا قد تعديت، وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همك إذا هممت. قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما من نفقة كانت عنده. رواه ابن ماجه (4104)، وصححه الشيخ الألباني في" صحيح ابن ماجه " (3312)، " وصحيح الترغيب " (3225).
عن أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيِّ بن كعب إن الله أمرني أن أقرئك القرآن قال أالله سماني لك؟ قال: نعم، قال: وقد ذُكرت عند رب العالمين؟ قال: نعم، فذرفت عيناه - وفي رواية: فجعل أبيٌّ يبكي -. رواه البخاري (4677)، ومسلم (799).
بكاء السلف الصالح
وكان بعض الصالحين يبكي ليلاً ونهاراً، فقيل له في ذلك، فقال: أخاف أن الله تعالى رآني على معصية، فيقول: مُرَّ عنى فإني غضبان عليك.
وهذا إسماعيل بن زكريا يروي حال حبيب بن محمد - وكان جارا له – يقول: كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه، فأتيت أهله، فقلت ما شأنه؟ يبكي إذا أمسى، ويبكي إذا أصبح؟! قال: فقالت لي: يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح و إذا أصبح أن لا يمسي.
وحين عوتب يزيد الرقاشي على كثرة بكائه، وقيل له: لو كانت النار خُلِقتْ لك ما زدت على هذا؟! قال: وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن و الإنس؟؟.
وحين سئل عطاء السليمي: ما هذا الحزن قال: ويحك، الموت في عنقي، والقبر بيتي، وفي القيامة موقفي وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي.
وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته ما شأنه؟ قالت: زعم أنه يريد سفراً بعيداً وماله زاد.
وانتبه الحسن ليلة فبكى، فضج أهل الدار بالبكاء، فسألوه عن حاله فقال: ذكرت ذنباً لي فبكيت.
وحدث من شهد عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة: أن رجلاً قرأ عنده: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13] فبكى حتى غلبه البكاء، وعلا نشيجه! فقام من مجلسه، فدخل بيته، وتفرَّق الناس.
وقال خالد بن الصقر السدوسي: كان أبي خاصاً لسفيان الثوري، قال أبي: فاستأذنت على سفيان في نحر الظهر، فأذنت لي امرأة، فدخلت عليه وهو يقول: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} [سورة الزخرف:80] ثم يقول: بلى يا ربّ! بلى يا ربّ! وينتحب، وينظر إلى سقف البيت ودموعه تسيل، فمكثت جالساً كم شاء الله، ثم أقبل إليّ، فجلس معي. فقال: منذ كم أنت ها هنا! ما شعرت بمكانك!
بكاء المعاصرين
عندما بكى الشيخ ابن باز
دموع سماحة الوالد ليست ملكاً له، فعينه تغلبه كثيراً عندما تقرأ عليه آية من كتاب الله، أو يسمع حادثة من حوادث السيرة النبوية أو يحكى له موقف مؤثر من الماضي أو الحاضر، وها هم طلابه يتحدثون عن هذا الموضوع.
فقد سألنا أحد طلاب الشيخ عن أبرز المواطن التي تغلب الشيخ فيها دموعه فيبكي فأجاب:
شيخنا قريب الدمعة، يبكي كثيراً حتى إن بكاءه يصل إلى حد الجياش الشديد، فهو يبكي عند ذكر الوعد والوعيد، ويبكي عند حصول بعض المصائب لبعض المسلمين، ويبكي عند حصول بعض الغرائب في الدين التي هي من أعظم المصائب، ويبكي عند ذكر السلف الصالح وأحوالهم في الزهد والتقشف، ويبكي حين تذكر شيوخه وإخوانه الذين ماتوا قبله، أو حين تحل بهم أقدار الله.
قلب رقيق
ويكمل الحديث أحد الطلاب الذين يحضرون دروس سماحة الشيخ منذ عام 1399هـ فيقول:
¥