وهكذا كان حال من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قرأ رجلُ عند عمر بن عبد العزيز - وهو أمير على المدينة - قوله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} [الفرقان / 13] فبكى حتى غلبه البكاء، وعلا نشيجه! فقام من مجلسه، فدخل بيته، وتفرَّق الناس.
كان محمد بن المنكدر من سادات القراء، لا يتمالك البكاء إذا قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذُكر عنه أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى، فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله وسألوه، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه، فقال: ما الذي أبكاك؟ قال: مرت بي آية، قال: ما هي؟ قال: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} [الزمر / 47] فبكى أبو حازم معه فاشتد بكاؤهما.
قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فضيلاً يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبكي ويردد هذه الآية: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} [محمد / 31] وجعل يقول: وتبلوا أخبارنا، ويردد: وتبلو أخبارنا، إن بلوتَ أخبارنا فضحتَنا، وهتكتَ أستارنا، إن بلوتَ أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا، ويبكي.
وسبق ذِكر جملة من بكائهم - رحمهم الله -.
واستمع لبعض القراءات المؤثرة والتي بكى أصحابها فيها:
- الشيخ سعود الشريم يبكي بعد موت الشيخ عمر السبيل
http://mypage.ayna.com/kayeralqassim/Shureem1423.rm
- وقراءة أخرى للشيخ حفظه الله – وأظنها بعد وفاة الشيخ جار الله -:
http://saaid.net/flash/fate7h.htm
- وهذه قراءة للشيخ مشاري العفاسي:
http://manzoma.siteatnet.com/foreign/manzoma/shoaraa.zip
- وهذا مقطع للشيخ سعد الغامدي:
http://www.muslm.net/muslm3/jeddah/saed/s3d.rm
- وهذا مقطع من سورة ق للشيخ خالد القحطاني:
http://www.mndah.net/pic/kahtany.ram
3. كثرة ذكر الله عز وجل.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ... - وذكر منهم: - ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.
رواه البخاري (629) ومسلم (1031).
والخلوة مدعاة إلى قسوة القلب، والجرأة على المعصية، فإذا ما جاهد الإنسان نفسه فيها، واستشعر عظمة الله فاضت عيناه، فاستحق أن يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
قال ابن القيم:
إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى وذكر حماد بن زيد عن المعلى بن زياد أن رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أذبه بالذكر؛ وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل.
" الوابل الصيِّب " (ص 99).
4. الإكثار من الطاعات.
قال أحمد بن سهل - رحمه الله -: " قال لي أبو معاوية الأسود: يا أبا علي من أكثر لله الصدق نَدِيت عيناه، وأجابته إذا دعاهما ".
5. تذكر الموت ورؤية المحتضرين والأموات.
عن جابر رضي الله عنه قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به إلى ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى، فقال له عبد الرحمن: أتبكي؟ أولم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة - خمش وجوه وشق جيوب -، ورنة شيطان.
رواه الترمذي (1005)، وقال: هذا حديث حسن، وحسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2157).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه بكى على ابنه إبراهيم، حينما رآه يجود بنفسه، فجعلت عيناه تذرفان الدموع ثم قال: " إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون " رواه البخاري (1241) ومسلم (2315).
¥