تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((مر رجل على غصن شوك فرآه في الطريق فقال والله لأنحينه عن طريق المسلمين لا يؤذيهم فزحزحه عن الطريق فغفر الله له ذنوبه)) لأنه نوى للمسلمين الخير، ولذلك انظر كيف غصن شوك قال بعض العلماء: ليس الأمر في غصن الشوك، ولكن الأمر بدأ من قوله: ((لأنحينه عن طريق المسلمين)) رجل قلبه متفطر رحمة بالمسلمين ولا يريد الشر لهم ولا يريد الضر بهم، ويريد أن يرحمهم فرحمه الله عز وجل، فإذا نوى أن يحسن لهذه الأمة كلها وأن يزيل هذا الغصن عن طريقهم فزحزحه عن الطريق فغفر الله له ذنوبه.

وفي بعض الروايات: ((فزحزحه الله به عن نار جهنم)) فالعبد إذا ستر الناس ستره الله، وإذا أحسن إلى الناس أحسن الله إليه، فالأخذ بأسباب الرحمة. من أسباب الثبات على التوبة؛ ولذلك تجد بعض الأخيار والصالحين إذا استقام في طاعته لربه فإن الله يثبته؛ لأنه بمجرد أن يستقيم يبحث كيف يرضي الله سبحانه وتعالى، ويستقيم بصدق وحق.انتهى

ويقول حفظه الله في محاضرته (وصية نبوية):

حسن الخلق وصية بينك وبين خلق الله، سيرة عطرة، ومواقف جميلة جليلة، نظرة تحقق بها الإسلام والعبودية والهداية والالتزام، هذه الوصية العظيمة قسمة من الله جل وعلا، لا يعطيها إلا من أحب، ألا وهي الخلق الحسن، الذي سئل عنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوماً من الأيام، سأله الصحابة رضوان الله عليهم وكلهم شوق إلى رحمة الله وجنته، سمعوا القرآن يدعوهم إلى الجنة، فوجهوا السؤال إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن هذه الجنة التي وصفها الله في كتابه، أي شيء يكون سبباً في دخولها؟ وما هو أكثر ما يدخل الناس إلى الجنة؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (تقوى الله، وحسن الخلق) أكثر ما يُدخل الناس إلى الجنة تقوى الله وحسن الخلق. وإذا نصبت الموازين ونشرت الدواوين، فإن الإنسان أحوج ما يكون إلى الحسنات، حتى إذا قدم على الله جل وعلا وفي صحائف أعماله الأخلاق الكريمة ثقل الله ميزانه بها، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (أثقل شيء في الميزان: تقوى الله وحسن الخلق). وإذا دخلت إلى الجنة كانت أمنيتك مرافقة النبيين وجوار الصالحين مع الذين أنعم عليهم رب العالمين، نسأل الله العظيم أن يبلغنا الجنة بمنه ورحمته وهو أرحم الراحمين. يدخل العبد الجنة وكله شوق أن تكون منزلته في أعالي المنازل، فإذا دخلها وكان طيب الخلق رفعت درجاته ومنازله، ورأى أمام عينيه عواقب الأخلاق الحميدة، ومعاملة الناس والعطف عليهم، والشفقة على المسلمين وتفريج النكبات والفجائع عن المنكوبين، رآها أمام عينيه جزاءً وفاقاً، فما جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ، رآها عند رب كريم منان لا يضيع عمل العاملين وسعي الساعين، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يشير إلى هذا المعنى: (ألا أنبئكم) أي: ألا أحدثكم، ألا أخبركم، فنبأنا بأمر غيبي لا تراه عيوننا ولا تسمعه آذاننا، عالم غير العالم الذي نحن فيه، ألا أنبئكم عن أمر من غيب أطلعه الله علي جل جلاله: (ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة) فما أعظمها من كلمة! وما أعظمه من وصف! (ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون) أن تكون مسلماً منقاداً لله مستسلماً، قد سلم المسلمون من يدك ولسانك وزلات جوارحك وأركانك، تستقيم على طاعة الله، حتى إذا رآك العبد كأنه يرى شمائل كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، إن من الأخيار من لو رأيته ذكرت الله عند رؤيته، من الأخيار من إذا سمعت قوله في حال الغضب أو سمعت قوله في حال الرضا علمت أن وراء هذا القول قلباً يخاف الله جل جلاله، الأخلاق الحميدة تعيش بها حميداً، وتموت بها قرير العين راضياً عن ربك سعيداً، مات أناس وهم في الناس أحياء بسيرتهم العطرة وأخلاقهم الجليلة الجميلة النظرة، عاشوا في الناس وهم أموات في القبور، يذكرون بالجميل، ويترحم عليهم الحقير والجليل، فرحمة الله على تلك القلوب المؤمنة، وتلك الجوارح التي أرادت وجه الله جل جلاله في سعيها.

أحبتي في الله! الأخلاق عطية من الله لا بالتملق والنفاق والرياء، ولا بالكلمات المعسولة والقلوب التي مُلئت حمقاً وغيظاً على المسلمين، ولكن قول سديد وعمل صالح رشيد، تعلم أن وراءه عبداً يرجو الوعد ويخاف الوعيد.

وفي خاتمتها نبه إلى الضعفاء بقوله:

أحق الناس بالخلق الحسن الضعفاء والفقراء واليتامى والثكالى، فتواضع لهم فإن رحمة الله في التواضع لهم، وأدخل السرور عليهم فمن سرهم سره الله يوم المساءة، تفقد عورات المسلمين والضعفة والمحتاجين، وافتح قلبك لهمومهم وأحزانهم، واحتسب عند الله جل جلاله، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولعل مالاً تنفقه يحجبك الله به عن النار، ولعل كربة تفرجها يفرج الله عنك بها كربة يوم القرار، احتسب عند الله في ضعفة المسلمين فإنهم أحق الناس بعطفك وحنانك، واحتسب عند الله جل وعلا ألا يراك العبد إلا على فعل جليل، وألا يسمع الناس منك إلا القول الجميل. انتهى

وبانتظار إضافات المشايخ والإخوة حول موضوع حاجتنا إلى إحسان التعمل مع النّاس طاعةً لله وبراءة من الصد عن سبيله وتشويه صورة المتدينين.

لأنّ هذه التصرفات وإن كانت في مقابل الحسنات والخير الذي يظهر على الأكثرين لا تعد شيئا عندنا, ولكنها كبيرة عظيمة في عيون من أحاط المتدينين بهالة إجلال تحمله على استشناع واستفظاع كل زلل وخطأ , كما أن لون هذه المساوئ ينتشر انتشار الحبر على اللباس فيتشوه المظهر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير