كأن الترمذي يُريد بـ " أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب " أن لا يشتد ضعفه، ثم يُروى من غير وجه نحوه، و كأنه يشير بهذا إلى النوع الذي اصطلح المتخرون على تسميته: الحسن لغيره.
لكن يُشكل على هذا أنه حسَّن بعضَ الأحاديث التي لم ترد إلا من طريق واحد.
ابن الجوزري عرف الحسن: " الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن، و يصلح العمل به ".
و هذا ليس فيه بيان الحد الفاصل الذي يُحتمل فيه الضعف.
قال العراقي: " و ما بكلِ ذا حدٌّ حصل " يعني: كل هذه التعاريف لم يحصل بها تعريف.
المتأخرون كابن حجر و غيره، جعلوا الحسن قسمين: حسن لذاته، و حسن لغيره.
الحسن لذاته: و هو الصحيح، إلا أنه خف ضبط راويه.
8 – السَّمَاعُ:
السماع من لفظ الشيخ: أقوى طرق التحمل.
مراتب طرق التحمل: السماع من لفظ الشيخ، ثم القراءة على الشيخ، ثم الإجازة المقرونة بالمناولة، ثم الإجازة المجردة، ثم المكاتبة، ثم الإعلام، و الوصية، و الوجادة.
السماع من لفظ الشيخ و القراءة على الشيخ: طريقان من طرق التحمل المجمع على صحة التلقي بها، على خلاف بينهم في المفاضلة بينهما، و الجمهور على أن السماع من لفظ الشيخ أقوى من القراءة على الشيخ، الذي هو العرض، و بعض العلماء يفضلون العرض على السماع، و الإمام مالك عنده أن السماع والعرض سواء، و لا يُعرف أنه حدث بالموطأ بل قُرِئ عليه.
قوله: " مشافهةً " أي: السماع مشافهة من دون واسطة.
أما الإجازة – و لم يتعرض لها المصنف – لكنها مهمة، فالإجازة طريق من طرق التحمل احتيج إليها، فهي لا تُعرف في الصدر الأول عند الصحابة و التابعين و أتباع التابعين، فاحتيج إليها لما ضُبطت الكتب و أُتقنت، و صار السماع و العرض صعب جدا، فيصعب – مثلا – أن يقرأ الطالب جميع الكتب الستة، أو يسمعها من الشيخ، فلو بدأ الطالب يقرأ على شيخه في الكتب الستة، فلما أنهى المجلد الأول من صحيح البخاري، جاء طالب آخر فقال للشيخ أريد أن أقرأ، فيحتاج إلى أن يعيد من جديد، و هكذا لو جاء آخر و آخر، فتحصل معاناة شديدة.
و بما أن الأحاديث ضُبطت في الكتب، فرأى أهل العلم استحسانا أنه يُكتفى بالإذن بالرواية، فإذا أردتَ أن تقرأ صحيح البخاري، يقول: ارو عني صحيح البخاري، فهي: إذن بالرواية إجمالا.
و قال بعضُ من منع الروايةَ بالإجارة: " من قال لغيره: أذنتُ لك أن ترويَ عني ما لم تسمعه مني، فكأنه قال له: قد أذنتُ لك أن تكذب عليَّ ".
قال الإمام أحمد: " لو جازت الإجازة، لبطلت الرحلة ".
و لولا الحاجة الماسة لاستمرار الرواية بالأسانيد التي هي خصيصة هذه الأمة، لما جازت الإجازة، لكن أجازوها للحاجة.
- الإجازة تكون بمعلوم لمعلوم، كأن يقول له: أجزتك يا فلان بن فلان بكتاب كذا، أو بالكتب الستة أو السبعة أو العشرة، ثم تُذكر هذه الكتب.
توسَّع الناس في الإجازة، فصاروا يجيزون بإطلاق: كالإجازة العامة، و الإجازة على الإجازة، و الإجازة للمعدوم.
فصار أحدهم يقول: أجزتُ من قال لا إله إلا الله، أو أجزت أهل الإقليم الفلاني، أو أجزت أهل عصري، أو أجزت من يولد فلان، أو تبعا له: أجزت فلانا و من يولد له.
هذا توسع غير مرضي، فالإجازة إذا كان في أصلها ضعف، فإنها تزداد ضعفا بهذا التوسع.
و أرفعها: المناولة إذا كانت مقرونة بالإجازة، فإن خلت عن الإذن فهي باطلة.
قال الحافظ العراقي:
و إن خلت عن إذن المناوله **** قيل تصح و الأصح باطله
الرواية بـ: المكاتبة: صحيحة، فقد كتب الصحابة، و أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالكتابة، فقال: " اكتبوا لأبي شاه "، و الصحابة كتبوا لبعضهم البعض، و كتبوا إلى التابعين، و كتب مَنْ بعدهم إلى أن وُصِلَ إلى شيوخ الأئمة، ففي صحيح البخاري: " كتب إليَّ محمد بن بشار " [(كتاب الأيمان و النذور / بَاب إِذَا حَنِثَ نَاسِيًا فِي الْأَيْمَانِ رقم: 6180)] ز.
و الرواية بالمكاتبة مخرجة في الصحيحين و غيرهما.
الرواية بالوصية: إذا ظهرت أمارات الموت و دنا أجله، قال: كتبي أعطوها لفلان، بعضهم يجيز الرواية بها، و بعضهم يقول: لا فرق بين الوصية و بين شراء الكتب.
و المعتمد عند أهل العلم: أنه لا تصح الرواية بها.
¥