تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" قد يكونُ طلبُ العلمِ الذي هو الواجبُ والمستحبُّ المتأكِّدُ مذمومٌ في حقِّ بعض الرّجال , كمن طلبَ العلمَ ليُجاري به العلماء , ويُماري به السُّفهاء , وليصرفَ به الأعيُنَ إليه ,أو ليُعَظَّمَ ويُقَدَّمَ , وينالَ من الدُّنيا المالَ والجاهَ والرِّفْعَةَ , فهذا أحدُ الثّلاثة الذين تُسَجَّرُ بهم النّارُ. ولو كان أفنى هذا عُمُرَهُ في معرفة المُوسيقى والعَرُوض والكيمياء , ومعرفة علم الهندسة , أو كان شاعِراً مادِحاً للرُّؤساء لكان أخَفَّ لإثمِه وأبْعَدَ له من النّار.فإن انضَافَ إلى هِمّةِ هذا المُتَخَلِّف – نسألُ الله العَفْوَ – أن ينالَ بعلمِه مَرامَهُ من القضاء والنّظر والتَّدريس , فيظلِمُ ويحكمُ بغير ما أنزلَ اللهُ , ويأكلُ المالَ إسرافاً وبَغْياً , ولا يتأبّى عن مكروهٍ فقد تمّت خسارتُهُ.

فإذا انضافَ إلى المجموع أنّه مُتَلَطِّخٌ بالفواحش , فياخَيْبَتَه! فإن كَمّلَ أوصافَهُ بجهلِه وأوهمَ أنّهُ قائمٌ على هذه العلُوم التي مِن أجلها قُدِّمَ وهو عَرِيٌّ من معرفتِها , جاهِلٌ بأكثرها أو بكثيرٍ منها فماذا أقول؟! بلى! هُنا فصلٌ ينبغي مراعاتُه وهو: مَنْ طلبَ لينال به ما يقومُ به ويَقُوتُه بالمعروف وبأهله ليتفرّغ بذلك المعلُوم لتكملة المعارف , وليتوفّر على العلم , فهذا قد يُبَاحُ –إن شاء اللهُ –لمن حسُنَتْ نيّتُه , وغَلَبَتْ عليه محبّةُ العلم لذاتِه , فإنّ العلمَ قد يُحبُّ محبّةً لا تُوصَفُ مع قَطْعِ نظر مُحِبُّ العلم عن الرّياسة والمال. ومِثْلُ هذا يُرْجَى له أن يَؤولَ علمُه إلى الخير والنَّفع به كما قال مجاهِدٌ وغيرُ واحدٍ: طلبنا هذا العلمَ وما لنا فيه نيّةٌ , ثم رزق اللهُ النيّةَ بعدُ. أي: طلبُوه بلا نيّةٍ دينيّةٍ ولا دُنيويّةٍ , بل محبّةً في العلم , إذ الجَهْلُ تأباهُ النّفوسُ الزكيَّة , والفِطَرُ الذّكيَّة.

ويليه رجلٌ طلبَ العلمَ محبّةً فيه ممزوجةً بشهوة رياسة , ونيّتُه حسنةٌ , لا يُنافِسُ في طلب المدارس , ويقنعُ بما قُدِّرَ له. فإن جاءهُ رزقٌ وولايةٌ فرحَ بها لشدّة فاقتِه , وليتوسّع من الدُّنيا , ويعملُ غالباً بما ينبغي , ويستغفرُ اللهَ من تقصيره , فهذا داخلٌ في قوله:" وآخَرُونَ اعتَرفُو بِذنُوبِهِم خلَطُوا عَملاً صالِحاً وآخَرَ سيِّئاً عسى اللهُ أن يتوبَ عليهم " , اللّهُمّ فتُبْ على حملة العلم , واغفر لهُم.

نعم , فإنّ هذا العالِمَ بخيرٍ وكفايةٍ وجهاتٍ فاضلةٍ عنه , وله ألوفٌ من المال يتَّجِرُ فيها , ومن ذوي الثّروة واليَسَار ,أو أرباب المزارع والعَقَار , فكيف يُزاحِمُ الفقهاءَ ويُضَيِّقُ عليهم؟ إذ أخْذُ الجامكيّة إنّما موضوعُه: استعانةٌ على طلب العلم ونشره , وهذا الرّجلُ في غنىً عن أخذ صدقات الملُوك والوزراء والأمراء. ولا يحلُّ له أن يأخُذَ لعلمه أجرةً ولا ثمناً , وهو في عِداد المُسرِفين , وفي عِداد الكانزين , فلو صرفَ وليُّ الأمر هؤلاءؤ من الجهات لَعُدَّ من العادلين , وقد قال اللهُ تعالى في ناظر مال الأيتام:" وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فلْيَسْتَعْفِف ".

يا أخي , بالله عليك , حاسِبْ نفسَك , واتَّقِ ربَّك , وخُذْ من الوُقوف ما يكفيك وولدَك بالمعرُوف , وما بقي فَواسِ به الضّعيف والمسكين , واسْتَعِدَّ لهجُوم المنِيّة , واسْتَفِقْ مِن خُمار كلب شهوتِك , وتزوّد لآخرتِك بِنَبْذِ حُطامٍ يضرُّ جَمْعُه , وتصدَّقْ بما فَضَلَ عنك منه لعلَّك يُغْسَلُ به لك وَضَرُ أوسلخ الواقفين , كما خفَّفُوا هم من أثقال أوساخهم بما وقفُوه من أموالهم المجموعة من المظالم والشّبُهات , فإنَّهُم ما قَصَّرُوا فيما فعلُوا , فتشبَّهْ – ياهذا – بهم لعلَّك تنجُو , والسّلام ".

(مسائلُ في طلب العلم وأقسامه ص 210 - 213).

الجامكيّة: رواتبُ خُدّام الدّولة

ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[26 - 07 - 08, 11:59 م]ـ

وَصِيَّةُ الحَافِظِ الذَّهَبيِّ ت 748 هجرية

لِمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ السَّلامِيّ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

هذه وصيّةُ الشّيخ الإمام العالم الحافظ البارع أبي عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبيّ المقرئ رحمه الله تعالى لمحمّد بن أبي الفضل رافع بن أبي محمّد السّلامي 1:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير