تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يَا وُلَيد رافع! اسمع أقُلْ لك: أراكَ – والله – مثلي 2 مُزْجَى البِضاعة , قليلَ العلمِ بالصِّناعة , فلا أقلَّ من الإقبال على الطَّاعة , ولُزومِ خَمْسِك في جَماعة.

وهل شيئٌ أقبحُ من شابٍّ يَخْدُمُ السُّنَّةَ ولا يعملُ بها؟! نَعَم , آخرُ يُبالِغُ في الطَّلب , ويكتبُ عمّن دَرَجَ ودَبّ 3, ثمّ لا يصلّي! فلا بارََك اللهُ في هذا النّمَط! فإنّ هؤلاء ما غَوَايتُهم بالحديث إلاّ كغَوَايَة المصارِع والسّاعي ولاعبِ الحَمام , بل أُولاءِ أعْذَرُ بالجهلِ.

وهذا المُعَثِّرُ يَسْمَعُ الألوفَ من الحديثِ فيها الوعيدُ والتّهديد , والعذابُ الشّديد , ولا يَنزجر , بل ما أظنُّه يسمعُ شيئاً , ولا يفهمُ حديثاً , لأنّه إن كان قارئاً بنفسه , فبِجَهْدِه أن يتَهَجّى الأسماءَ والمتون , ويُبَدِّلُ ما يشير إليه , وعينُه إلى تنبيه الشّيخِ تارةً , وإلى أمْرَدَ حاضرٍ تارةً , وإلى إقامةِ الإعرابِ تارةً , لئلاّ يُخْزىَ بين الحاضرين , وإن كان غيرَه القارئُ استراحَ , فأنا كفيلٌ لك بأنّه ما يسمعُ غيرَ: (ثنا 1 قال: ثنا) , و (صلّى الله عليه وسلّم) , لكثرة دَوْرِ ذلك.

فتراه إمّا يكتبُ الأسماءَ حال السَّماع , فَيَبْطُلُ ويُبطِلُ , أو يَنسَخُ في جزء , أو يكتبُ طِباقا 2 , أو يُطالعُ في شيئٍ , وهذا أجودُ أحواله , ولا جودةَ فيها , أو بمكانٍ - وهذا الأغلبُ – يُحَدِّثُ جليسَه , ويَمزَحُ مع الصِّبيان المِلاَح , فمتى يَسمعُ هذا أو يعقلُ أو يبصرُ أو يُغني عنه الحديثُ شيئاً؟!

وأمّا قول وكيع: " إنّ هذا الحديث يصدُّكم عن ذكر الله وعن الصّلاةِ , فهل انتم مُنْتَهُون؟! " , فهذا قالَهُ في الصَّلاةِ المقارنَةَِ للذِّكْرِ , وهي النَّوافلُ , أي: يُقَلِّلُ تشاغُلَكُم بالنّوافل , فانتهوا عن ذلك.

أمّا أن يَصُدَّهُم عن الفرائض الخمس , فحاشا لله! هذا ماكان في سِيَرِهم قطّ , إلاّ في أيّام الجهادِ وقبلها بمدّة 6.

وهل يتركُ الصلاةَ مُحَدِّثٌ إلاَّ وهو مِن الرُّذالة 7 الزُّبالَة , آوٍ إلى التّعَثُّرِ والضَّلالَة؟!

فإن كمَّل نفسَه بتلوُّطٍ أو قيادة 8 , فقد تمّت له الإفادة , وإن استعمل من العلوم قِسْطاً , فقد ازدادَ مهانةً وخَبْطاً , وبَذَلَ دينه لشيطانه , وأدبرَ عن الخير , فهل في مثل هذا الضَّرْبِ خيرٌ؟ لا كثَّرَ اللهُ مثلَهم , فما حظُّ الواحدِ 9 [من هؤلاء] 10 إلاّ أن يسمع ليرويَ فقط.

فَلَيُعَاقَبَنَّ بنقيضِ قصده , وليُشَهِّرَنَّهُ اللهُ [تعالى] 11 بعد أن سترهُ مرّاتٍ , ولَيَبْقَيَنَّ مُضْغَةً في الألسُن , وعِبرةًً بين المحدِّثين , ثمّ لَيَطْبَعَنَّ اللهُ على قلبه , ورُبّما سُلِب التّوحيد , وطَمِعَ فيه الشّيطان , فدخلَ في باطنه الخَرابُ , وشَكَّكَهُ في الإسلامِ والنّبوّاتِ إلى أن يخسرَ الدّنيا والآخرة , نَسألُ الله العفو والسّتر.

فباللهِ يا أخي ثمّ بالله , اتّق الله في نفسكَ المسكينَة , ولا تَكُن ممّن أدخلَهُ طلبُ الحديثِ النّارَ , فما ارتفعَ رافِعٌ 12 إلاّ بالتقوى , والخيرِ , وملازمة الآداب النّبوية.

فإن قَبِلْتَ نُصحي , فما أَوْلاكَ بالخير والتّوقير , وإن أعرضتَ كإعراضِك عن وصيّةِ الإلهِ العظيم , فتبّاً لك سائرَ الدّهر , فإنّ الله يقول – وهو أصدقُ من قال , وأرحمُ من أمر , وأعلمُ من أوحى , وأكرمُ من هدى , وهو أشفقُ علينا من أنفسنا – " ولَقد وصّينا الذين أوتُوا الكِتَابَ من قَبلِكُم وإيّاكُم أنِ اتّقوا الله "13.

فبا لله , قُل لي: هل يكونُ طالبٌ من خُدَّم 14 السُّنّةِ يَتهاونُ بالصّلوات ,أو يَتعانى تلكَ القاذورات؟ لا واللهِ , ولا هو ممّن اتّقى الله.

وأنحسُ من ذلك كلِّه محدِّثٌ يكذبُ في حديثِه , ويختلقُ الفشارات 15 فإن تَرقّت همّته المقيتةُ إلى الكذب في النّقل والتّزويرِ في الطِّباقِ , فقد استراح , وطرّس 16الطَّلبة على اسمِه ورسمِه: صورةً ومعنىً.

وإن تَعانى سرقةَ الأجزاء , أو كشطَ الأوقاف , فهذا لصٌّ بِسَمْتِ مُحدِّثٍ , وإن جعل الطّلب له مأكَلَةً ودُكَّاناً , فالأعمالُ بالنيّاتِ , ولا قوّة إلاّ بالله.

فاقرأ كتابك وكفى بنفسك عليك حسيبا , وأعوذُ باللهِ أن أكون قد ضيّعتُ الزّمانَ في نعتِ بَطَلَةِ الطَّلَبةِ , أبلاهم الله بالغلَبَة.

فافتح عينَك , وأحضِرْ ذِهنك , وأرعني سمعَك , فإن انتفعت وعقَدْتَ مع الله عَقْداً , فقد توسّمتُ فيك الخيرَ , وإن شردْتَ وركبتَ الإعراضَ والكسلَ مثلي 17 , فواحسرتا عليّ وعليك.

فثمّةَ طريقٌ قد بقي لا أكتُمه عنك 18 وهو كثرةُ الدّعاء , والاستعانةُ بالله العظيم في آناءِ اللّيلِ والنّهار , وكثرةُ الإلحاح على مولاكَ بكلِّ دعاءٍ مأثورٍ تستحضرُه أو غيرِ مأثورٍ , وعقيبَ الخَمْسِ , في أن يُصْلِحَك ويُوَفِّقك.

والزم – ولابُدَّ – آيةَ الكرسيِّ في دُبر الصَّلواتِ المفروضة , وأكثِر الاستغفارَ والأذكار , والزم الصِّدق المفرط عن كلّ بدّ في كل شيئ , ولا تستكبر , ولا تكن ممّن يستكبر بما عَلِم , فإنّك جاهلٌ خَبِلٌ19 فداوم – بالله – [على] التّواضع الزّائد , والمسكنةَ للمسلمين إلاّ الفاسقين منهم , وأحبَّ لله , وأبغِض في الله , وثق بالله , وتوكّل على الله , وأنزل ضرورَتك بالله , ولا تستغنِ إلاّ بالله , وأكثر من: لا حولَ ولا قوّة إلاّ بالله , ومن الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسليماً كثيراً دائماً أبداً.

انتهت الوصيّة.

َاعتنى بها الشيخ: جمال عزُّون

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير