تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويدل على ذلك أيضاً قول الله تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله) على أحد التفسيرين. وذلك أن المفسرين منهم من جعل قوله ويعلمكم الله مرتباً على قوله واتقوا الله كأنه قال إن تتقوا الله يعلمكم الله ومن هؤلاء القرطبي والشوكاني وابن كثير قال القرطبي (وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقانا أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل ومنه قوله تعالى يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا والله أعلم) [تفسير القرطبي 3/ 406]

ومنهم من جعلها جملاً مستقلة (واتقوا الله) جملة (ويعلمكم الله) جملة (والله بكل شيء عليم) جملة ومنهم الطبري والبيضاوي وأبو السعود والنسفي والآلوسي.

وإذا كانت التقوى من أعظم أسباب تحصيل العلم والانتفاع به، فالمعاصي من أعظم أسباب نسيان العلم ومحق بركته والعياذ بالله، قال تعالى (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آيتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون).

قال البغوي: قال عطاء: (أراد الدنيا وأطاع شيطانه وهذه أشد آية على العلماء وذلك أن الله أخبر أنه آتاه آياته من اسمه الأعظم والدعوات المستجابة والعلم والحكمة فاستوجب بالسكون إلى الدنيا واتباع الهوى تغيير النعمة والانسلاخ عنها ومن الذي يسلم من هاتين الخلتين إلا من عصمه الله). [مختصر تفسير البغوي 1/ 324]

ومن الأخبار المشهورة في هذا الباب البيتان المرويان عن الشافعي حيث يقول:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي

ومن عجيب ما يروى في هذا الباب قصة المرابط العالم الشنقيطي صاحب مراقي السعود شرح مراقي السعود (ت 1325هـ أو في التي تليها) أنه خرج ذات يوم فرأى بعض تلامذته مع نسوة يتحدثون إليهن، فقال لهم إخواني تلامذتي: إنني عندما جئت وأنشأت مدرستي كان لا يمكث عندي طالب عدة سنوات إلا استكمل جميع معلوماتي والآن عندي منكم جمع مكث أكثر مما يمكثه الطلاب الألون ولم ستكمل معلوماتي، وكنت أظن أن هذا مني والآن عرفت أنه منكم .. إلى أن قال: وأنا بالله الذي لا إله إلا هو ما عصيت الله عمداً منذ بلغت إلا مرة واحدة وذلك أني كنت أضع الفخوخ للطيور في وقت مبكر من عمري مع عبد لآل فلان وذات يوم سبقته للفخوخ فوجدت قرعة في فخه فنزعتها فجعلتها في فخي وما زلت إلى اليوم وأنا أستغفر الله لمالكيه. اهـ[مقدمة تحقيق مراقي السعود ص 21]

أخي طالب العلم:

ليس من شرط طالب العلم أن لا تقع منه المعصية، فكل بني آدم خطاء، ولكن على طالب أن يجتهد غاية الجهد في تطهير نفسه عن المعاصي والسيئات، وتكميلها وتزكيتها بالأعمال الصالحات، وحيث بدرت منه خطيئة فليبادر إلى التوبة والاستغفار، والاستكثار من صالح الأعمال (إن الحسنات يذهبن السيئات). جعلني الله وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، ولا تجعل ما علمتنا وبالاً علينا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علي بن يحيى الحدادي

16/ 10/1425هـ

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير