تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[(أخلاق الكبار) للشيخ: خالد السبت]

ـ[بندر البليهي]ــــــــ[26 - 07 - 08, 11:05 م]ـ

أخلاق الكبار للشيخ: خالد السبت

الحمد لله حمداً عدد ما خلق، والحمد له ملء ما خلق، والحمد له عدد ما في السماوات والأرض، ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، وكتبت الآثار، ونسخت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرؤوف الرحيم، تم نورك فهديت فلك الحمد، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، تطاع ربنا فتشكر، وتعصى ربنا فتغفر، وتجيب المضطر، وتكشف الضر، وتشفي السقم، وتغفر الذنب، وتقبل التوبة، ولا يجزي بآلائك أحد إلا أنت، لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، وأصلي وأسلم على خير رسله محمد -صلى الله عليه وسلم- صاحب الحوض المورود، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

أيها الإخوة: حديثنا معكم في هذه الليلة عن أخلاق الكبار، وإنما نعني بالكبار أصحاب النفوس الكبيرة، الذين يحلقون عالياً، ويترفعون عن الدنايا وسفساف الأمور، فتعلوا هممهم عن الدوران في الوحل والحضيض، ويسمون عالياً، فلا يدور الواحد منهم حول نفسه، ترضيه الكلمة، وتغضبه الكلمة، ويعجبه المدح، ويسوؤه الذم، يقاطع هذا لأنه ذمه، ويحب هذا لأنه مدحه، ويعادي هذا لأنه جرحه، يدور مع نفسه حيث دارت، يرضى من أجلها، ويسخط من أجلها، يحب لها، ويغضب لها، فهذا صاحب نفس دنية، رضي بأن يكون مع نفسه في الهاوية، وحرم نفسه جنة قبل جنة الآخرة وهي انشراح الصدر، والأنس والسعادة التي تحصل بالترفع والعلو عن الدنيا وسفساف الأمور؛ هؤلاء هم الكبار الذين سنتحدث عنهم، هم أصحاب النفوس الكبيرة، ولا أعني بالكبار هم من تقدم بهم السن، وطال بهم العمر، ولا أعني بهم من تبوؤوا المناصب العالية، وحصلوا الرتب الرفيعة، إنما أتحدث عن أصحاب نفوس كبرى، وصدور واسعة، لا يلتفتون إلى أنفسهم، ولا يقفون عندها، وإنما تعنيهم المصالح الكبرى للإسلام، فهؤلاء حري بنا أن نتحدث عن أخلاقهم وأوصافهم، وأن نشيع هذا الحديث، وهذا الموضوع أطرحه لشدة الحاجة إليه، فنحن بحاجة إلى مذاكرته لأننا كثيراً ما نغفل عن هذه المعاني، فكم من خِطبة قد فسخت، وكم من أسرة قد شتت، وكم من محبة تحولت إلى عداوة، وكم من شراكة في عمل دنيوي أو في عمل دعوي قد تشتت وتشرذمة، وكم من علاقات قد تقطعت أواصرها بسبب تدني النفوس، والوقوف عند حظ النفس، فيرضى الإنسان لأجلها، ويغضب لأجلها، يكون الإنسان منتصراً لنفسه على أي حال كان، ولا يقبل من أحد أن يصدر منه تجاهه خلل ولا تقصير ولا نقص؛ وإن حصل شيء من ذلك فلا عفو ولا مسامحة، ولا تذكر لصنائع المعروف القديمة؛ وأواصر المحبة والروابط التي جمعت بين هؤلاء المتحابين ينسى ذلك جميعاً، وينقلب رأساً على عقب مبغضاً شانئاً لهذا الإنسان الذي تصور أنه تنقصه، وأنه قصر في حق من حقوقه، فلماذا هذا التدني؟ لماذا يجعل الإنسان نفسه بهذه المثابة؟

أقول -أيها الإخوة-: هو الركون إلى أصل خلقته ومادته الأولى التي خلق منها وهي الطين، فالإنسان خلق من عنصرين اثنين: قبضة من الطين، ونفخة من الروح، فإذا ركن الإنسان إلى أصل مادته وهي الطين فإنها تجذبه وتشده إلى أسفل، فتتدنى أخلاقه وتسوء، ويصدر منه ما لا يليق، وما يخجل العاقل منه إذا تبصره وتذكره، وإذا كسر الإنسان هذه الآصار والقيود والأغلال حلق عالياً، وارتفع وتسامى بأخلاقه فتجاوز نفسه، وجعلها خلف ظهره، فلم يعد ذلك الإنسان الذي ترضيه الكلمة، وتسخطه الكلمة، يتجاوز هذه المرحلة ثم بعد ذلك يتعامل مع الآخرين بصدر واسع، وبنفس كبيرة، فيتحمل منهم الصدمات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير