تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لك العز إن مولاك عز وأن يهن ... فأنت إلى بحبوحة الهون صائرُ

فتركوه وتوجهوا من جديد إلى هذا الملك الجديد، وصاروا حاشيته وجلسائه وندمائه، ثم استطاع الملك الناصر أن يسترد ملكه من جديد، فجاء وجلس على سرير ملكه، وأحضر هؤلاء القضاة والعلماء والفقهاء وأجلسهم بين يديه، وقد طأطئوا رؤوسهم، لا يدرون ماذا سيصنع بهم؟ ولا يعرفون كيف سيفتك بهم وينتقم منهم حينما أعرضوا عنه، والتفوا حول عدوه وخصمه؟ فهؤلاء ليس لهم وفاء في نظر هذا الملك، وبينما هم كذلك، وقد طأطئوا رؤوسهم يضربون أخماساً بأسداس إذ طلع عليهم رجل من بعيد ولم يميزوه في أول الأمر؛ فلما اقترب إذا هو شيخ الإسلام ابن تيمية الذي كان في السجن قد أمر الملك بإخراجه من جديد؛ ودعاه إلى مجلسه فأسقط في أيديهم، وقالوا: الآن يتم الانتقام بفتوى ونذبح على الطريقة الإسلامية كما يقال، فقام الملك يمشي إلى شيخ الإسلام توقيراً وتعظيماً في الظاهر لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ولم يكن من عادته ذلك هو يجرجره من سجن إلى سجن، فقام إليه يمشي مظهراً لتعظيمه، ثم عانقه وأخذه إلى شرفة وناحية في القصر وسارّره، وجلس يتحدث معه سراً فماذا قال له؟ قال له: ماذا تقول في هؤلاء؟ يقول شيخ الإسلام: فعلمت أنه قد حنق عليهم، وأنه أراد أن ينتقم لنفسه -فلاحظ فقه شيخ الإسلام– لا ينتقم لشيخ الإسلام ولا للدين، وإنما لأن هؤلاء قد تركوه وأعرضوا عنه يقول: فعلمت أنه قد حنق عليهم، وأراد أن ينتقم لنفسه، فشرعت في مدحهم والثناء عليهم وشكرهم، وأن هؤلاء لو ذهبوا لم تجد مثلهم في دولتك، ولا قيام لملكك إلا بهم، فهم قضاة البلد وفقهائه، فأخرج لي أوراق وقراطيس من جيبه فيها فتاوى بخطوطهم يقول: انظر ماذا قالوا فيك؟ كفروه، وأفتوا بقتله، وهذه محفوظة بملفات، آن الأوان لإخراجها لفضحهم لينتقم لنفسه، المظنون لو كان الإنسان صاحب نفس صغيرة أن تأخذه العزة بالإثم، ويستطيع بكل سهولة أن يتدثر بدثار السنة والدفاع عن العقيدة: أن هؤلاء مبتدعة فنخلص منهم البلاد والعباد، فماذا قال شيخ الإسلام: قال أما أنا فهم في حل من جهتي قد عفوت عنهم، يقول: فسكَنت ما عنده - أي هدأه -، ثم بدأ شيخ الإسلام بعد ذلك يبث علمه في المساجد وفي الحلق والمجالس، وكثر أتباعه وناصروه ومؤيدوه، وبدأ أولئك الذين كانوا يتحركون في الكيد له، ويطعمون في النيل منه؛ يتلطفون به ليعتذروا إليه من سابقتهم، فماذا كان يقول؟ ما كان يقف مع كل واحد ويقول: هيهات، أو يحقق معه لماذا قلت وما الذي حملك على ذلك؟ لا، كان يقطع ذلك جميعاً، ويقول: قد جعلت الكل في حل مما جرى.

ما قسم الناس إلى فسطاطين: فسطاط الأولياء الذين نصروه وكانوا معه في وقت الشدة، وفسطاط الأعداء الذين يستحقون كل ذم وويلة، ما قسم الناس ولا امتحنهم هذا الامتحان، كان يقول: ليطو هذا البساط، وكتب رسالة إلى أصحابه وإخوانه في دمشق يذكرهم بهذا المعنى، يقول: أول ما أبدأ به ما يتعلق بي، فتعلمون أني لا أحب أن يؤذى أحد من عموم المسلمين فضلاً عن أصحابنا بشيء أصلاً، لا باطناً ولا ظاهراً، ولا عندي عتب على أحد منهم ولا لوم أصلاً، بل لهم عندي من الكرامة الإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كان، كل بحسبه، ولا يخل الرجل إما أن يكون مجتهداً مصيباً أو مخطئاً مذنباً، فالأول مأجور مشكور، والثاني مع أجره على الاجتهاد فمعفو عنه مغفورٌ له، والثالث فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين، فنطوي بساط الكلام المخالف لهذا الأصل، كقول القائل: فلان قصر، فلان ما عمل، فلان أوذي الشيخ بسببه، فلان كان سبب هذه القضية، فلان كان يتكلم في كيد فلان ونحو هذه الكلمات التي فيها مذمة لبعض الأصحاب والإخوة؛ فإني لا أسامح من آذاهم في هذا الباب، ثم يقول: وتعلمون أيضاً أن ما يجري من نوع تغليظ أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوة، فليس ذلك غضاضة ولا نقصاً في حق صاحبه، ولا حصل بسبب ذلك تغير منا ولا بعض، بل هو بعدما عمل به من التغليظ والتخشين أرفع قدراً، وأنبه ذكراً، وأحب وأعظم، وإنما هذه الأمور إنما هي من مصالح المؤمنين التي يصلح الله بها بعضهم ببعض، فإن المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة ولكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين، - ثم يذكرهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير