تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[بندر البليهي]ــــــــ[26 - 07 - 08, 11:13 م]ـ

العالم الوزير عبد الرحمن بن هبيرة -رحمه الله تعالى-:

وخذ هذا المثال الآخر العجيب العالم الوزير ابن هبيرة -رحمه الله-، نال العلم والفقه والوزارة معاً، وكان له مجلس حافل بالعلماء من أرباب المذاهب الأربعة، وبينما هو في مجلسه إذ ذكر مسألة من مفردات الإمام أحمد - يعني أن الإمام أحمد تفرد في هذه المسألة عن الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك وأبي حنيفة -، فقام فقيه من فقهاء المالكية يقال له أبو محمد الأشيري فقال: بل قال بهذا الإمام مالك، فقال ابن هبيرة -رحمه الله-: " هذه الكتب " وأحضرها، وإذا هي تنص على أن هذه المسألة من مفردات الإمام أحمد، فقال أبو محمد الأشيري: بل قال بذلك الإمام مالك، فتكلم العلماء الذين حضروا هذا المجلس فقالوا: بل هي من مفردات الإمام أحمد، قال: بل قال بذلك الإمام مالك، فغضب ابن هبيرة وقال: أبهيمة أنت؟، أما تسمع هؤلاء العلماء يصرحون بأنها من مفردات الإمام أحمد، والكتب شاهدة بذلك، ثم أنت تصر على قولك، فتفرق المجلس، (فهب أنك في هذا المجلس، هب أنك أحد الطرفين في مكان ابن هبيرة، أو في مكان الأشيري، ما هو في مجلس علماء، لو كنت أنت وهذا الإنسان وليس معكما ثالث، وقال لك: أبهيمة أنت هل ستلقاه بعدها؟ هل ستأتي إلى مجلسه وتحضر معه؟ ثم لو قال لك ذلك أمام الآخرين هل تنام تلك الليلة؟ هل تفكر بالرجوع إليه؟) فلما انعقد المجلس في اليوم الثاني جاء الفقيه المالكي وحضر كأن شيئاً لم يكن، وجاء ابن هبيرة، وجاء العلماء، فأراد القارئ على عادته أن يقرأ ثم يعلق الوزير ابن هبيرة، فقال له: قف، فإن الفقيه الأشيري قد بدر منه ما بدر بالأمس، وحملني ذلك على أن قلت له ما قلت، فليقل لي كما قلت له، فلست بخير منكم ولا أنا إلا كأحدكم (فكيف كان أثر هذه الكلمات؟ وهي بالمجَّان لا نخسر عليها شيئاً، تجاوز بس هذه النفس وتغلب عليها)، ضج المجلس بالبكاء، وتأثروا جداً من هذه الأخلاق العالية الرفيعة، وارتفعت الأصوات بالدعاء والثناء؛ وجعل هذا الخصم الأشيري يعتذر ويقول: أنا المذنب، أنا الأولى بالاعتذار، والوزير ابن هبيرة يقول: القصاص القصاص، فتوفق أحد العلماء وقال: يا مولانا إذا أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير له: حكمه يحكم بما شاء، احكم بما تريد، فقال هذا الفقيه: نعمك علي كثيرة فأي حكم بقي لي، فقال: قد جعل الله لك الحكم علينا بما ألجأتنا به إلى الافتيات عليك، فقال: عليّ بقيت دين منذ كنت بالشام، فقال الوزير ابن هبيرة: يعطى مئة دينار لإبراء ذمته وذمتي، فأحضر له المال، وقال له ابن هبيرة: عفا الله عنك وعني، وغفر الله لك ولي"، فهل نحن كذلك؟ إذا كنا في مجلس وحصلت قضية مثل هذه كيف ستكون نتائجها؟ عداوة إلى يوم الدين، وقلب يتقطع، ونفس حرقاء حراء على هذا الإنسان، نسأل الله العافية، كلمات لم يخسر فيها شيئاً بل ازداد رفعة، نحن نتحدث عنها بعد قرون وبعد مئات السنين، ولو أنه بقي مع نفسه فكيف سيكون حال هذه الصلة والعلاقة، ترفعوا أيها الإخوة وارتفعوا إلى أعلى وحلقوا، النفس يجذبها الطين، فتجردوا من الأهواء والحظوظ النفسانية، هذا في مسائل العلم، أما في أمور المعاش والعلاقات الاجتماعية والتجارية وغير ذلك مما يعايشه الإنسان صباح مساء، ولابد أن يجد فيه ما يجد من تقصير في حقه، ومظلمة وإساءة، وكلمة لربما لا يتحملها كثير من الناس، فكيف يصنع؟ اسأل نفسك أنت ولا تبحث في ذهنك وتذهب إلى إنسان آخر، اسأل نفسك ما موقفك حينما يبلغك أن فلاناً من الناس يتكلم في حقك، ويقع في عرضك، كيف تصنع؟ هل تعزم على عداوته ومقاطعته؟ الشافعي رحمه الله يوصينا بوصية في هذا المقام يقول إذا بلغك عن صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادره بالعداوة، لا تحكم مباشرة، وتتخذ هذا الإجراء فتقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك، فالثقة حاصلة متيقنة وهذا شك عارض، فلا يذهب اليقين بالشك، ولكن القه وقابله وقل له: بلغني عنك كذا وكذا، واحذر أن تسمي له المُبَلِّغ، فإن أنكر ذلك فقل: أنت أصدق وأبر، وإذا قال: لا أنا ما قلت، فلا تحصره في زاوية ضيقة كما يفعل بعض الناس، وقل له: أنت أصدق وأبر عندي، ولا تنقر ولا تحقق وتجاوز ذلك، يقول: وإن اعترف بذلك فقال: نعم أنا قلت، فقبل أن توجه إليه سؤالاً آخر يقول: إن رأيت له في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير