تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وخذ مثالاً آخر: دخل رجل يسأل فغضب ابن هبيرة، وقال للحاجب: أما قلت لك: أعط هذا عشرين ديناراً، ووقراً من الطعام، وقل له: لا تحضر عندي، فقال: قد أعطيناه، فقال: عد وأعطه، وقل له: لا تحضر، فلما انصرف الرجل، قال ابن هبيرة لأصحابه: هل عجبتم من هذا الجواب، والرد الذي رددت به، قالوا: نعم، قال: هذا الرجل الذي رأيتم قبل قليل كان شحنة في القرى - يعني أنه من الحاشرين، يرسل ليحضر أناس في قضية في جناية في تحقيق فيأخذ رؤساء القبائل، ويأخذ وجهاء البلد أو القرية ويحضرهم للسلطان، فكان شحنة في القرى -، فقتل قتيل في ناحية البلد التي فيها ابن هبيرة، فجاء هذا الرجل فأخذ مشايخ القرى، وأخذ ابن هبيرة مع الجماعة، وابن هبيرة على قدمه والرجل على فرس، فجعل يؤذي ابن هبيرة، ويمشيه مع الفرس، ثم ربطه وأخذ من كل واحد من هؤلاء قدراً من المال وسرحهم -والمسألة فوضى-، ثم جاء لابن هبيرة وقال: هات ما معك، قال: ما معي شيء، يقول: فانتهرني وضربني مقارع على رأسي، يقول: ولم أنقم عليه شيئاً من ذلك، لكني كنت أستأذن أن أصلي الفرض فأبى أن يأذن لي، فأنا أنقم عليه لأنه رفض أن يسمح لي بالصلاة - صلاة الفريضة -، حيث أدركتني في الطريق، يقول: وبعد ذلك جاء به ابن هبيرة وولاه على بعض العمل في إصلاح معايش الأمراء - يعني أملاكهم الخاصة - يديرها، فما انتقم منه ولم يقل: هذه الفرصة ذهبية .. لا، بل أعطاه وأكرمه وما انتصر لنفسه منه.

واشترك ابن هبيرة هذا صاحب القلب الكبير قديماً قبل الوزارة مع رجل أعجمي في زراعة فوقع بينهما شيء، فقام هذا الأعجمي وضرب ابن هبيرة ضرباً مبرحاً، فلما ولي الوزارة استدعاه، وتوقع هذا الأعجمي التأديب والتعزير والانتقام، بل والقتل، فلما جيء به؛ أعطاه ووهب له وولاه ولاية، يقول عنه تلميذه ابن الجوزي -رحمه الله-: كان يملي علينا كتاب الإفصاح، فجاء رجلان أحدهما قد أسر الرجل الآخر، يقوده معه يقول: هذا قتل أخي فأقدني منه، أريد أن أقتص!! فقال: ابن هبيرة أقتلته، قال: نعم، جرى بيني وبينه مشادة فقتلته، فقال الخصم: سلمه لي، فقد أقر بالقتل، قال ابن هبيرة: أطلقوه ولا تقتلوه، قالوا: كيف ذلك وقد قتل أخانا؟، قال: فبعه لي!! فاشتراه منهم بأضعاف الدية بستمائة دينار، وسلم الذهب لهم، فلما ذهبوا قال له: اجلس، فجلس عنده، وأعطاه خمسين ديناراً، ثم ذهب، فتعجب ابن الجوزي ومن معه وقالوا: كيف تصنع مع هذا؟ رجل قتل إنسان، ادفعه إليهم يقتلونه، فلماذا تبالغ في رفع الدية؟، وتعوضهم هذا التعويض، ثم تعطيه؟ فقال: هل تعلمون أني لا أنظر بعيني اليمنى منذ أربعين سنة؟ قالوا: لا، قال: هذا الرجل مر بي قبل أربعين سنة، ومعه سلة فاكهة، فقال: احملها وكان معي كتاب في الفقه، فقلت: ليس هذا بعملي ابحث عن حمال، يقول: فغضب ولطمني وضربني، وقلع عيني ومضى، ولم أره إلا هذه الساعة فلاحظ الآن: هذا الرجل قاتل، يقتص منه؛ والحمد لله، فإنك لن تقتص أنت منه، ولن تقتله ولن تنتقم لنفسك بل دعهم يقتصون، يداك أوكتا وفوك نفخ، جنيت على نفسك والحمد لله الذي أوقعك بسوء عملك، لا بل فداه وأعطاه وأكرمه، فمن منا يفعل ذلك، يقول: " أردت أن أقابل إساءته بالإحسان ".

لو صادفت سباباً شتاماً في مكان في مدرستك أو في عملك في السوق؛ فقال لك كما قال رجل للأحنف بن قيس: لئن قلت واحدة لتسمعن عشراً!! فماذا قال الأحنف بن قيس؟ قال: لكنك إذا قلت عشراً لن تسمع واحدة

قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاحُ

فالعفو عن جاهل أو أحمق أدب ... وفيه أيضاً لصون العرض إصلاحُ

إن الأسود لتخشى وهي صامتة ... والكلب يحثى ويرمى وهو نباحُوأنت أيها الداعية: كيف تتصرف حينما يتصرف أحد المدعوين نحوك بتقصير أو بكلمة أو بفعل لا يليق؟ أتعاديه وتجانبه وتجفوه، أتأمر أصحابك أن يقاطعوه ويهجوه ويهجروه، أتتخذ منه موقفاً: هو في سبيله وأنت في سبيلك من أجل نفسك، إن هذا لا يليق أيها الإخوة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير