تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ويحمل أمامة بنت بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام حملها، وإذا سجد أو ركع وضعها على الأرض، وهكذا طوال الصلاة، ولو فعله الإمام، ماذا نصنع به يا إخوة؟ هذه أخلاق يتربى عليها الجيل، ويتربى عليها الصغار، يعيشون في كنف هؤلاء بنفوس أبية عالية، يجدون من يحتضنهم، أما أن نكفهر في وجوه إخواننا، وأن نعاملهم معاملة فظة بصلافة فهذا لا يكون.

أيها الإخوة من أصحاب النفوس الكبيرة: إذا وجدت إنسان تعاملت معه وابتليت به في شراكة، أو في معاملة، وأراد أن يدخلك في مهاترات فهل تنزل معه؟ كان مالك -رحمه الله- يصف القاسم بن محمد من علماء التابعين يقول: قد يكون بينه وبين رجل من الناس مداراة في الشيء، فيقول القاسم: "هذا الذي تريد أن تخاصمني فيه هو لك، فإن كان حقاً فهو لك فخذه ولا تحمدني فيه، وإن كان لي فأنت لي منه في حل وهو لك"، اتركني لكي لا أنزل معك ولا أهبط بأخلاقي وتقع المهاترات على أشياء تافهة.

أنت أيها الزوج كيف تتصرف حينما تتعذر العشرة بينك وبين امرأتك؟ بعض الأزواج يضيق عليها ويشدد الخناق، بل بعضهم -ولا أبالغ أيها الإخوة- قد يفصل الكهرباء من البيت ليضطر هذه المرأة بألوان من التضييق والأذى لتطلب الطلاق هي، وتفتدي منه، وتدفع له ما خسر كما يزعم، تدفع له المهر والتكاليف التي دفعها في زواجه، وقد استمتع بها، ولربما أكل شبابها، فأين المروءات؟ حينما يقف الإنسان ولا رغبة له في المرأة يقف وكأنما يجلس على الجمر لكراهيته لها والبقاء معها من أجل أن تطلب هي الطلاق؛ وقد تعذرت العشرة، وحينما يقع ذلك كيف تتصرف؟ هذا جبير بن مطعم تزوج امرأة فسمى لها صداقاً، وطلقها قبل الدخول، ثم تلا هذه الآية: {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [سورة البقرة: 237] فقال: أنا أحق بالعفو، فسلم إليها الصداق كاملاً مع أنها تستحق نصف الصداق، ولو أن هذه الزوجة تصرفت معك تصرفاً لا يليق فهل ينبثق ذلك عن أحقاد؟ هل ترميها بالثلاث كما يفعل بعضهم؟ هل تضربها وهل تعذبها؟ هل تهجرها هجراً ملياً؟، بعض النساء يقلن: يهجرني من سنوات، وبعضهن تقول: أصبت بالصرع المتكرر من كثرة ما يضربني على رأسي، وبعضهن تقول: يدخل بشتم ويخرج بشتم من غير سبب، نقول: تجنبي الأمور التي تثيره، تقول: هو يأتي ثائراً أصلاً، لم أترك شيئاً إلا صنعته معه، ويغضب على أتفه الأسباب، ولربما في مناسبات لا يليق فيها هذا الصنيع كليلة العيد، وصبيحة يوم العيد، وبعض النساء تتصل تسأل تقول: طلقني بالثلاث في صبيحة العيد لأني كنت أوقظه ليأكل ما أعددت له من طعام ثم يخرج إلى المسجد، فرماني بالثلاث، وقام إلي ونثر الطعام في المطبخ، وضربني ضرباً مبرحاً وشتمني، وشتم أهلي صبيحة يوم العيد فنسأل الله العافية، وماذا صنعت؟ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت له عائشة: "أنت الذي تزعم أنك رسول الله" (5) كلمة كبيرة، فماذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ ما زاد على أن تبسم، ولو قالت لك زوجتك: أنت تعتبر نفسك رجل صاحب مروءة، فماذا ستصنع بها؟ أظن أن لحمها سيختلط بثيابها، ولا أظنها تسلم نفسها وتخرج حية في ذلك الموقف.

ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عنده أصحابه، فأرسلت له إحدى زوجاته -وكانت تجيد صنع الطعام- قصعة فيها طعام، فتحركت غيرة الأخرى -وقد جاء تسمية هؤلاء الزوجات رضي الله تعالى عنهن في بعض الروايات- وأصل الحديث في الصحيح، وقد جاء براويات متعددة عند النسائي وغيره، وهي صحيحة -فأرسلت إليها- وفي بعض الروايات أنها ضربت يد النبي -صلى الله عليه وسلم- فسقطت القصعة وانكسرت وانتثر الطعام، وفي بعض الروايات أنها أرسلت جاريتها فأخذت القصعة، ورمت بها في الأرض غيرة أمام الضيوف، وفي بعض الروايات أنها جاءت متوشحة، وأخذت القصعة ورمت بها في الأرض فانكسرت، فماذا صنع النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ أمر الجارية أن تأتي من هذه التي كسرت القصعة أن تأتي منها بقصعة جديدة؛ فوضع فيها الطعام وقال: ((قصعة بقصعة، وطعام بطعام)) (6) وانتهت المشكلة، ما قال: سودت وجهي أمام الضيوف وأحرجتني، وهذه الأمثلة التي قصدت إيرادها أيها الإخوة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولو جئت بها عن أحد آخر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير