تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد العشاء يجلس على الطاولة الكبيرة المعدة للمحاضرات .. ويتحدث قرابة ثلاث ساعات عن موضوع الأخوة في الله .. لم يتردد ولم يتلعثم ولم يكرر عبارةً مرتين؛ وكأنه قد أعد الموضوع منذ سنوات خلت ..

فعلمت أن الله تعالى قد رزقه بركة الوقت بإخلاصه نحسبه كذلك ولا أزكيه على ربه تعالى ..

من قصص الشيخ يحكيها تلميذه موسى الزهراني غفر الله له حياً أو ميتاً:

أذكر أنه جاءني يوماً في عام 1411هـ وهو يضحك ويقول لي مداعباً: موسى أفندي! ما دريت أيش صار لي بالأمس؟! ..

قلت: لا ..

قال: ذهبنا إلى البحر ومعي إبراهيم الشهري (أحد أنجب تلاميذ الشيخ وهو صديق لي حبيب ومعروف جداً في مواقع كثيرة على الإنترنت " أبو لجين ") .. وكدنا نغرق ..

لو رأيتني والسمك يدغدغ أقدامي وأنا معلق وبوسطي طوق النجاة البلاستيكي! ..

أما أنا فبكيت من الفرح بنجاته .. بعد أن أخبرني أحد الإخوة بتفاصيل الحادثة؛ وأن الشيخ مكث ساعات طويلة في البحر؛ بينما سبح إبراهيم بابن الشيخ (أنس) وكان صغيراً يومئذ حتى استطاع أن يوصله إلى الشاطئ.

قلتُ: وهنا نرى روح المداعبة والمرح لدى الشيخ حفظه الله كما هو معروف عنه ..

ونرى رو ح الدعابة في عرضه للقضايا المعاصرة حيث يتلذذ المشاهد بمشاهدة الشيخ حفظه الله وهو يعلق على ظاهرة معينة أو شيء جديد ..

ويقول تلميذه ايضاً:

رأيت مرة منذ أربعة عشر عاماً في منامي .. أنني أجلس على (كنب) في منزلي وبجواري الشيخ ابن باز رحمه الله وأنا أطعمه شحماً أبيض ..

فقصصتها على الشيخ محمد المنجد؛ فقال لي: أنا لا أعبر الرؤى ولكن أظن والله أعلم أنك ستحفظ (من) القرآن وربما تصلي بالناس مكاني هنا إماماً .. وضحك ..

أما أنا فما عجبت من حفظ القرآن بل تعجبت كيف أصلي بالناس في مسجده؟.

وبعد عامين .. يسافر الشيخ للعمرة في رمضان وإذا به يكلفني بإمامة الناس في صلاة التراويح والقيام ..

والله الذي لا إله غيره لو كلفني بالمشي من الدمام إلى الرياض على قدمي لرأيت ذلك سهلاً مقابل أن أَؤمَّ الناس .. وبدل من؟! بدل الشيخ المنجد ..

شتان بين الموكل والوكيل في كل شيء .. فكان يتصل بي من مكة يطمئن على سير عملي فأشكو عليه من تعنتات بعض المصلين؛ وهو يضحك ويقول:ما شفت شيء بعد! ..

أربعة أيام .. كأنها أربعة أشهر؛ فلما جاء الشيخ؛ ذهبت لاستقباله في المطار؛ مطار الظهران يومئذٍ؛ فجراً؛ ففرحت به مرتين؛ مرة لرؤيته؛ وأخرى لخروجي من ذلك المأزق الذي كنت أدفع ضريبته كل ليلة ..

فهذا ينتقد الدعاء .. وذلك ينتقد الصوت .. والثالث طول الصلاة .. والرابع التجويد .. والخامس شكلي!

تخيل حتى الشكل لا يروق لبعض الإخوة ويريدونني في طول (قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه .. ) وصوت (ثابت بن قيس بن شماس) رضي الله عنه .. وهكذا ..

ويحكي لنا تلميذه عن بداية طلبه للعلم على يد الشيخ فيقول:

رأيت الشيخ يرتقي المنبر _في أول مرة ألقاه فيها _ بخطىً ثابتة؛ ويلقي خطبة لم أسمع مثلها منذ عشرين عاماً باستثناء سبع سنوات هي بداية حياتي إذ كنت فيها طفلاً!؛

كانت مدة الخطبة ساعة كاملة؛ مرت وكأنها خمس دقائق؛ وأذكر أنني ذهبت إليه بعدها وعرفته بنفسي فرحب بي وابتسم فكاد عقلي يزيغ من الفرح!

وقال لي بعد حديث طويل: (أشوفك بكرة درس الفجر؛ جيب معك مختصر صحيح البخاري ... )

فعجبت لأني لم أكن أعلم أن هناك دروساً تعقد بعد صلاة الفجر ..

فكُلُّ ما تعلمته؛ هو أن الدروس في المدارس النظامية؛ تعقد قسراً من السابعة صباحاً إلى قريب العصر.

ستُ سنوات في المرحلة الابتدائية؛ وثلاث في المتوسطة (الكفاءة)؛ هذا إذا لم يتكرم الطالب بالمكث سنة أخرى تطوعاً منه؛ فيكون عالة على المدرسة ومعلميها عاماً كاملاً!؛ وثلاث في الثانوية ..

ثم يتخرج الطالب غالباً لا يفقه مما درس شيئاً فضلاً عن القرآن الكريم الذي لا يفقه منه إلاّ ما يفقهه امرئ القيس منه!

ويكمل حديثه وهو يقول:

لم أنم تلك الليلة خوف أن تفوتني صلاة الفجر ويفوتني معها درس الفجر، والذي كان وقتئذ في (تفسير ابن كثير)؛ ومختصر صحيح البخاري المسمى (التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للإمام الزَبيدي) ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير