تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

دخلت إلى المكان المخصص للدرس وقدماي؛ كلُّ واحدة تختبئ خلف أختها من الخوف ..

فإذا بي أجده غاصاً بالناس ..

فلما رآني الشيخ أشار إليّ: أن تعال إلى جواري؛ ثم قال لي: كيف الحال!؛ فنسيت همومي التي ابتلاني بها تلميذه كلها؛ وأحسست أنّه ملَّكني السعادة كلها.

مرت أيام وأنا أتردد عليه فيمازحني ويلاطفني .. وفي يوم .. أدخلُ المسجد لصلاة العشاء فإذا بي أراه يعتلي طاولة كبيرة ويكتظ حوله مئات بل (بلا مبالغة ألوف) من الناس ..

فدخَلَت قلبي رهبةٌ عظيمة من هذا الموقف فتكلم عن حياة الإمام الشافعي قرابة ساعتين ونصف الساعة بكلام لم أسمع مثله .. فقلت لمن حولي: من هذا؟.

قال لي: ألا تعرفه هذا: (الشيخ محمد صالح المنجد!).

فأصبحت أصلي عنده وأتجنبه .. حتى إذا لقيته مرة وقد ضمّني من خلفي يداعبني .. فالتفتُّ فإذا هو هو! فقال لي: (وينك .. ما أشوفك تجيني؟).

قلت له: (اكتشفت أنك شيخ!) فانفجر ضاحكاً ..

ومن يومها .. وهو يوليني عناية خاصة!، و يخصني بما لا يخص به غيري .. وكان من حسن تقدير الله تعالى لي أنني كنت أسكن بجواره .. فكان كثيراً ما يهاتفني إما لتكليفي بأمر؛ أو سلامٍ أو غير ذلك .. وأشعر أنني ابنُ له ..

كان إذا خلا بي مازحني وداعبني كثيراً، فإذا ما كان في المسجد كنت أرى شخصاً آخر .. شخصاً جمع الله فيه أموراً فرّقها في كثير من عباده الصالحين .. الهيبة في غير كبر .. واللين في غير ضعف، والذكاء في أبهى صُوَرِه، والوقار الذي كن نقرأ عن مثيله في سير أعلام الإسلام الأولين ..

*****

معذرة أيها القراء الكرام! أدركت الآن أني ورطتُ نفسي ورطة عظيمة إذ أطعت قلمي، وقبلت أن أكتب أصعب مقالٍ في حياتي .. أخشى أن أبخس شيخي حقه .. بل أجزم أني سأقصر في ذلك .. وأسأل الله الإعانة .. فهو في غنى عما أكتب .. ولكني .. سأكتب ... وأذكر طرفاً من حياتي معه ..

كنت أرى أن الشيخ - حفظه الله - لا يحسن يعصي الله تعالى .. إذ أن وقته كله مشغول بالدعوة إلى الله تعالى عبر محاضراته التي كنا ننتظرها بفارغ الصبر كل يوم أربعاء ..

ودروسه الأخرى كدرس (فتح المجيد) أو (عمدة الأحكام) بعد مغرب كل يوم أحد ..

أو درس ما بعد الفجر يومياً بمسجده (جامع عمر بن عبد العزيز) بحي العقربية بمدينة الخُبر ..

أو محاضراته الأخرى في القطاعات والمدارس والمناطق ..

أو فتاواه عبر الهاتف الذي لا يكاد يقف عن الرنين لحظة واحدة والله؛ وهكذا هاتفه الجوال اليوم ولقد

حدثني بنفسه بالأمس أنه وجد قرابة ثمانين مكالمة لم يرد عليه في ظرف ساعة من الزمن فقط، بينما كان يسجل دروساً في قناة (المجد) الإسلامية الطيبة كثّر الله من أمثالها وأعان القائمين عليها ووفقهم لإعلاء راية الإسلام.

كان هذا عام 1410هـ فكيف هو اليوم؟؛ وقد عرفه القاصي والداني وله من الأنشطة الكثيرة جداً ما لست أعلمه الآن .. وربما علمه العامة أكثر منا؛ من خلال برامجه الطيبة اليومية في الإذاعة؛ إذاعة القرآن الكريم؛ والقنوات الأخرى؛ وتأليفه الكتب والرسائل ..

أذكر أنه كان يمكث للناس بعد كل صلاة للإفتاء في صبر عجيب .. ولم أره يوماً نهر أحداً؛ أو رد أحداً .. أو أساء إليه.

وكان ولا يزال يحسن استماع السؤال بشكل لم أره في غيره، بل ويطيل الصمت والنظر في عيني السائل؛ بعد أن يفرغ من سؤاله؛ حتى يظن السائل أن الشيخ قد عجز عن الإجابة ثم يجيب إجابة شافية كافية.

رأيت فيه من الورع ما يُعجِز الألسن .. ورأيت فيه الزهد الذي يذكرني بشيخه الإمام / عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى؛ رغم أنه .. لو أراد لحاز من الدنيا ما يريد؛ لمكانته عند الناس وأهل الفضل والسعة منهم خاصةً ..

ومن العجائب .. أنني كنت معه يوماً أنا واثنان من إخوتي الأفاضل عام 1413هـ .. نتحدث في رواق المسجد بعد صلاة العصر .. والأخوان هما: سعيد بن محمد الغامدي نسميه سعيد بن سويد اختصاراً؛ وأخي الحبيب، فهد بن فرج الأحمدي وهو الآن يعيش في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في طيبة الطيبة؛ فاقرءوا عليه مني السلام.

كان هذا يوم الأربعاء .. فسألنا الشيخ عن درس الليلة .. فقال: لم أحدده بعد .. فاقترحنا أن يكون عن الأخُوة في الله ..

فقال: "موضوع جيد".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير