وصية عباد بن عباد الخواص إلى أهل السنّة
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[24 - 08 - 08, 08:01 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وصية عباد بن عباد الخواص إلى أهل السنّة:
قال الإمام الدارمي في (سننه) (675)
(أخبرنا عبد الملك بن سليمان أبو عبد الرحمن الإنطاكي عن عباد بن عباد الخواص الشامي أبي عتبة قال: أما بعد، اعقلوا والعقل نعمة، فرب ذي عقل قد شغل قلبه بالتعمق فيما هو عليه ضرر عن الانتفاع بما يحتاج إليه حتى صار عن ذلك ساهيا.
ومن فضل عقل المرء ترك النظر فيما لا نظر فيه حتى لا يكون فضل عقله وبالاً عليه في ترك منافسة من هو دونه في الأعمال الصالحة، أو رجل شغل قلبه ببدعة قلد فيها دينه رجالاً دون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو اكتفى برأيه فيما لا يرى الهدى إلا فيها ولا يرى الضلالة إلا تركها، يزعم انه أخذها من القرآن وهو يدعوا إلى فراق القرآن؛ أفما كان للقرآن حملة قبله وقبل أصحابه يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه وكانوا منه على منار لِوَضَحِ الطريق، وكان القرآن إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً لأصحابه، وكان أصحابه أئمة لمن بعدهم، رجال معروفون منسوبون في البلدان، متفقون في الرد على أصحاب الأهواء مع ما كان بينهم من الاختلاف وتسكُّعِ أصحاب الأهواء برأيهم في سبل مختلفة جائرة عن القصد مفارقة للصراط المستقيم فتوهت بهم أدلاؤهم في مهامة مضلة فأمعنوا فيها متعسفين في تِيههم، كلما أحدث لهم الشيطان بدعة في ضلالتهم انتقلوا منها إلى غيرها لأنهم لم يطلبوا أثر السابقين ولم يقتدوا بالمهاجرين، وقد ذكر عن عمر انه قال لزياد: هل تدري ما يهدم الإسلام؟ زلة عالم وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلون.
اتقوا الله وما حدث في قرائكم وأهل مساجدكم من الغيبة والنميمة والمشي بين الناس بوجهين ولسانين، وقد ذكر أن من كان ذا وجهين في الدنيا كان ذا وجهين في النار.
يلقاك صاحب الغيبة فيغتاب عندك من يرى انك تحب غيبته ويخالفك إلى صاحبك فيأتيه عنك بمثله فإذا هو قد صاب عند كل واحد منكما حاجته وخفي على كل واحد منكما ما يأتي عند صاحبه؛ حضوره عند من حضره حضور الإخوان، وغَيبته عند من غاب عنه غَيبة الأعداء؛ من حضر منهم كانت له الأثرة ومن غاب منهم لم تكن له حرمة، يفتن من حضره بالتزكية، ويغتاب من غاب عنه بالغيبة؛ فيا لعباد الله! أما في القوم من رشيد ولا مصلَح به يقمع هذا عن مكيدته ويرده عن عِرض أخيه المسلم، بل عرف هواهم فيما مشى به إليهم فاستمكن منهم وأمكنوه من حاجته، فأكل بدينه مع أديانهم.
فالله الله ذبوا عن حُرَم أعيانكم، وكفوا ألسنتكم عنهم إلا من خير، وناصحوا الله في أمتكم، إذ كنتم حملة الكتاب والسنة، فإن الكتاب لا يَنطق حتى يُنطَق به، وإن السنة لا تعمل حتى يُعمل بها؛ فمتى يتعلم الجاهل إذا سكت العالم فلم ينكر ما ظهر ولم يأمر بما ترك؟! وقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه.
اتقوا الله فإنكم في زمان رق فيه الورع وقل فيه الخشوع وحمل العلم مفسدوه فأحبوا أن يعْرَفوا بحمله وكرهوا أن يُعرفوا بإضاعته، فنطقوا فيه بالهوى لِما أدخلوا فيه من الخطأ، وحرفوا الكلم عما تركوا من الحق إلى ما عملوا به من باطل، فذنوبهم ذنوبٌ لا يُستغفر منها، وتقصيرهم تقصير لا يعترف به! كيف يهتدي المستدل المسترشد إذا كان الدليل حائرا؟!
أحبوا الدنيا وكرهوا منزلة أهلها فشاركوهم في العيش وزايلوهم بالقول ودافعوا بالقول عن أنفسهم أن يُنسبوا إلى عملهم، فلم يتبرءوا مما انتفوا منه ولم يدخلوا فيما نَسبوا إليه أنفسهم، لأن العامل بالحق متكلم وإن سكت، وقد ذُكر أن الله تعالى يقول: (إني لست كل كلام الحكيم أتقبل، ولكني أنظر إلى همه وهواه، فإن كان همه وهواه لي جعلت صمته حمداً ووقاراً وإن لم يتكلم)، وقال الله تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا)؛ وقال: (خذوا ما آتيناكم بقوة)، قال: العمل بما فيه.
ولا تكتفوا من السنة بانتحالها بالقول دون العمل بها، فإن انتحال السنة دون العمل بها كذب بالقول مع إضاعة العلم.
ولا تعيبوا بالبدع تزيناً بعيبها فإن فساد أهل البدع ليس بزائد في صلاحكم.
¥