ثانياً: الزُّهدُ معروفٌ من ناحية اللغة العربية ومعناه كما ذكر ذلك الراغب الأصفهاني في مُفرداته (ص220 المكتبة التوفيقية): ((زهد: الزّهيد الشيء القليل، والزّاهدُ في الشيء الرّاغبُ عنهُ والرّاضي منه بالزّهيد أي القليل: ((وكانوا فيه من الزّاهدين)) اهـ
إذن فالزّاهد في الدنيا الراغبُ عنها والراضي منها بالقليل وهو معنى الحديث المُتقدّم آنفاً.
أمّا التصوّف فهو كلمة أعجمية لا أصل لها في لغة العرب، ومهما حاول المُبطلون أن يُزوّروا الحقائق ويقلبوها فلن يجدوا لهذه الكلمة في قواميس اللغة العربية ومعاجمها معنى ولا اشتقاق!
وهذا تحد منّي مفتوح لكل صوفي سوّلتْ لهُ نفسُه ادّعاء خلاف هذا أن يجد من كلام العرب ما يُشيرُ ولو من بعيد لأصل اشتقاق هذه الكلمة (صوفي) أو (التصوّف) أو (متصوّف)، وأنّى له ذلك وإمام الصوفية وواضع ركائز الدّين الصوفي عبد الكريم القُشيري يُؤكّدُ هذه الحقيقة الغائبة عن أذهان كثير من المنتسبين للتصوّف –إن كانت لهم أذهان- فيقول بالحرف الواحد: ((وليس يشهدُ لهذا الاسم –صوفي- من حيث العربية قياس، ولا اشتقاق. والأظهر فيه أنّه كاللقب)) اهـ (الرسالة للقشيري ص126)
ويقول حسن رضوان كما في كتاب ((روض القلوب)):
وقد جرى من حيث الاشتقاق **** في لفظة التصوّف النّفاق
وكل ذي قول له توجيه **** لقوله في نفسه وجيه
لكن القياس والقواعد**** في جملة الأقوال لا تُساعد
والبعض منهم قد يقوى قوله **** بالأخذ من صّوف بلبسهم له
فقوله هذا، وإن يكن وجد **** له قياس في كلامهم عهد
لكن أهل الحقّ لم يختصّوا **** بلبسه، ولا عليه نصّوا
فالأحسن التسليم في أقوالهم **** لهم وفيما كان من أحوالهم
أقول هذا بملئ فيَّ وأنا على يقين من أنّ هذه الكلمة أعجمية يونانية وهي كلمة مُعرّبة من كلمة سوفيا أو صوفيا ( sofia) وهي تعني بلغة الإغريق ((الحكمة)) ومنه الفلسفة ( philasofia) أي حبّ الحكمة، فـ ( phila) تعني: حب، و ( sofia) تعني: الحكمة.
هذا وقد قال بهذا الكلام جمعٌ كبيرٌ من أهل العلم أذكرُ منهم من قرأتُ لهم شخصياً تقرير ما سبق من أصل اشتقاق كلمة صوفي: العلامة البشير الإبراهيمي، والعلامة مبارك الميلي كما في كتابه تاريخ الجزائر، والعلامة عبد الرحمن الوكيل، والعلامة محمّد جميل غازي، والعلامة إحسان إلهي ظهير رحمهم الله أجمعين.
وقرّر ذلك أيضاً المؤرّخ البيروني في كتابه ((تحقيق ما للهند من مقولة ص16) وهو في معرض الكلام عن معتقدات حكماء اليونان والهند التي تهدفُ إلى إثبات وَحدة الوجود، ثمّ عقب على هذا بقوله: ((وهذا رأي الصوفية)). انظر (نظرات في التصوّف، عبد الرحمن الوكيل، مجلّة الهدي النّبوي عدد 10 سنة 1379هـ) و (عبد الرحمن الوكيل وقضايا التصوّف، ص16 - 23 فتحي أمين عثمان) و (التصوّف المنشأ والمصادر، إحسان إلهي ظهير) و (هذه هي الصوفية، عبد الرحمن الوكيل) و (الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان، ابن تيمية) وغيرها.
ثالثاً: إنّ السلف ذمّوا التصوّف ولم يذمّوا الزّهد بل قد صنّفوا فيه كُتُباً فمن ذلك:
· كتاب ((الزهد)) لعبد الله ابن المبارك.
· كتاب ((الزهد)) لأحمد ابن حنبل.
· كتاب ((الزهد)) للبيهقي.
· ((كتاب الزهد)) من سنن ابن ماجه.
قال رحمه الله تعالى (ج2/ص1373) باب الزهد في الدنيا: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك)) حديث رقم 4102 قال الإمام الألباني: صحيح.،
· ((كتاب الزهد)) من سنن الترمذي (4/ 550)
· ((كتاب التوبة والزهد)) من الترغيب والترهيب للمنذري.
وغيرها من الكُتُب والمُصنّفات.
أمّا التصوّف فلم يذكروه في مُصنّفاتهم ولا في مُؤلفاتهم فضلاً أن يخصّوه بمصنّف مُستقل! فما سمعنا ولا رأينا ولا قرأنا كتاباً لأحد من السلف بعنوان ((كتاب التصوّف))؟؟!!
وكلُّ خير في اتباع من سلَف **** وكلُّ شر في اتّباع من خلَف
¥