عمل نمضي به متأسّيين و قائلين؛ بما ذكره أحد كبار علماء أمّتنا الغالية الرّاحلين عنّا حديثا، فضيلة الشّيخ العلاّمة بكر بن عبد اللّه أبو زيد -رحمه اللّه- في مقدّمته على كتابه النّفيس (تصنيف النّاس بين الظنّ و اليقين) قال رحمه اللّه:
"فأنتخب من مزدَحَم الحياة: العلماء الهداة في مثالهم: العالم العامل بعلمه في خاصة نفسه، ونصحه لله، و لرسوله، ولإمامه، ولعموم أهل الإسلام، فما أن يُذكر اسم ذلك العالم إلاّ و يُرفع في العلماء العاملين، فعلمه و عمله متلازمان أبداً، كالشّاخص والظلّ سواء، و الله يمنّ على مَن يشاء.
فأنتصر له حسبةً لله، لا دفاعاً عن شخصه فحسب، بل وعن حرمات علماء المسلمين و منهم دعاتهم، و رجال الحِسبة فيهم؛ إذْ بدا لقاء ما يحملونه من الهدى و الخير و البيان: اخْتِراقُ: (ظاهرة التجريح) لأعراضهم بالوقيعة فيهم، و فَرْي الجرّاحين في أعراضهم، و في دعوتهم، ولما صَنعَه (سُعاةُ الفِتنة) مِن وقائع الافتراء، وإلصاق التّهم، وألوان الأذى، و رمي الفتيل هنا و هناك، ممّا لا يخفى في كلّ مكان وَ صَلَته أصواتُهم البَغيضَة.
و لِعِظَم الجناية على العلماء، صار من المعقود في أصول الاعتقاد: (و مَن ذكرهُم بسوء فهو على غير سبيل).
و على نحوه كلمات حِسان لعدد من علماء الأمة الهداة في العلم و الدّين.
لذلك، و لما لهم على العامّة و الخاصّة من فضل في تعليم النّاس الخير، ونشر السّنن، و إماتة الأهواء و البدع، فهم قد أوتوا الحكمة يَقضون بها، و يعلّمونَها الناس، و لم يتخلّفوا في كُهوف (القَعَدَة) الذين صرفوا وجوههم عن آلام أمتهم و قالوا: "هذا مغتسل بارد وشراب"، و كأنّما عناهم شوقي بقوله:
و قد يموت كثير لا تُحِسُّهم----كأنّهم مِن هَوَان الخطب ما وُجدوا
بل نزلوا ميدان الكفاح، و ساحة التّبصير بالدّين، و هم الّذين يُنبؤن عن مقياس العظمة (العِصَامِيَّة) التاريخية في أشباحهم المغمورة، لا العظمة (العِظَامِيَّة) الموهومة، كما لبعض أصحاب الرُّتب، و الشّارات، المفَرِّغين لأنفسهم عن قَرْن العِلم بالعَمَل.
إنّ القيم، و الأقدار، و آثارها الحِسان، الممتدّة على مسارِب الزمن لا تُقَوَّم بالجاه، والمنصب، و المال، و الشّهرة، و كيل المدائح، و الألقاب، و إنّما قَوامها و تقويمها بالفضل، و الجهاد، و ربط العلم بالعمل، مع نُبْل نفس، و أدَبٍ جمٍّ، و حُسْن سَمْت، فهذه، و أمثالها هي الّتي تُوزن بها الرّجال و الأعمال.
و إلى هذا الطّرازِ المبارك تَشْخُصُ أبصارُ العالَم، و لكلّ نبأٍ مستقَرّ.
لهذا كلّه، صار من الواجب على إخوانهم، الذبّ عن حُرماتهم و أعراضهم بكلمات تَجْلو صدأ ما ألصقه (المنشقّون) بهم من الثّرثرة، و تَكْتِم صَدَى صياحهم في وجه الحقّ. و إيضاح السبيل الآمن الرَّشَد، العدلِ الوسَط" (تصنيف النّاس بين الظّنّ و اليقين: ص 05 - 06 - 07).انتهى كلامه رحمه اللّه رحمة واسعة.
و في الأخير أسأل اللّه عزّ و جلّ أن يغفر لمَن سبقني بالإيمان و أنْ لا يجعل في قلبي غِلاّ للّذين آمنوا، و أن يهديني و إخواني إلى الحقّ، في جليّ الأشياء و خفيّها، و يثبّتنا عليه، و يجمعني و إيّاهم عنده في جنّات و نهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، مع الأنبياء و الصدّيقين و الشّهداء و الصّالحين و العلماء المتّقين، و أسأله الغفور التوّاب؛ السّداد و الإخلاص و الصّواب، و حُسن الخاتمة و المغفرة و الثّواب؛ في القول و العمل، كما أناشد إخواني الدّعاء لي و لوالدي و لكلّ من له عليّ فضل، و لي منّي إليهم مقدّما المحبّة في اللّه و السّلام مع رحمته و بركاته و مغفرته.
و سبحانك اللّهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك و أتوب إليك.
أخوكم محمّد بن حسين حدّاد الجزائري
[email protected]
ليلة الأربعاء 11 ربيع الأوّل 1429هـ، الموافق لـ: 19 مارس 2008م
ـ[ماجد القحطاني]ــــــــ[14 - 11 - 08, 01:32 م]ـ
جزاك الله خير