فيقول لها في هذا الحديث: (مالك يا عائش؟! حشا رابية، فقالت له: لاشيء، فقال لها: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، فقالت: يا رسول الله! مهما يكتم الناس يعلمه الله.
-ثم حكت له الحكاية- فقال لها: أنت السواد الذي كان أمامي؟ قالت: نعم.
قالت عائشة: فنهزني، -وفي الرواية الأخرى-: فلهزني في صدري لهزة أوجعتني -أي: ضربها بمجامع يده في صدرها- وقال لها: أظننت أن يحيف عليك الله ورسوله؟)، مع أن القسم لم يكن واجباً في حقه عليه الصلاة والسلام، أي: أن يبيت عند هذه ويترك تلك، بل هذا باختياره، ومع ذلك فقد كان يعدل؛ لأن هذا من تمام الإحسان، فقال: (إن جبريل أتاني فناداني، ولم يكن ليدخل عليك وقد وضعت ثيابك، فأجبته، فأخفيته منك وكرهت أن أوقظك فتستوحشي).
لأن عادة النساء لاسيما إذا كانت صغيرة السن الاستيحاش والخوف، وقد قال لي أحدهم مرة: وجدت امرأتي حابسة نفسها في الغرفة.
فسألتها: لماذا؟ فقالت: لأنه كان هناك صرصور يمشي في صالة البيت.
والمرأة لو رأت فأراً ربما أصيبت بسكتة قلبية؛ لأنها تخاف وتستوحش لاسيما إذا كانت وحدها وفي هذا الوقت من الليل، فمن رحمته عليه الصلاة والسلام أنه لم يوقظها، وظن أنها نائمة، قال عليه الصلاة والسلام: (فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم)، فـ عائشة رضي الله عنها الذكية -وهذا أدب يجب على النساء أن يتعلمنه- غيرت دفة الحوار، وغيرت الكلام؛ لأن بعض النساء عندما تقول لها: غيري الموضوع، تقول: بل لابد أن نكمل.
فقال: (إن جبريل أتاني فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم.
قالت: يا رسول الله! وما أقول لهم إذا دخلت عليهم؟ قال: قولي السلام عليكم ديار قوم مؤمنين، أنتم السابقون ونحن اللاحقون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ... ) إلى آخر هذا الدعاء، وهو دعاء زيارة المقابر.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قلما كان يضرب، كما قالت عائشة: (ما ضرب بيده أحداً إلا أن تنتهك حرمات الله).
فهذا من المواضع القليلة التي ضرب عائشة وأوجعها فيه، لكن هذا ضرب غير مبرح.
فهذا الزوج المذكور كان إذا ضرب يشج الرأس، أو يكسر العظم، أو يشج الرأس ويكسر العظم (عيايا، غيايا، طباقا، كل داء له داء، شجك، أو فلك، أو جمع كلاً لك).
خبر المرأة الثامنة
وقالت الثامنة: (زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب).
وهي تمدحه (مس أرنب) أي: ناعم البشرة، ناعم الملمس، كجلد الأرنب، رفيق رقيق، (والريح ريح زرنب)، الزرنب: نبات طيب الرائحة، وهذا أدب ينبغي أن نتعلمه، فينبغي على الرجل والمرأة أن يحرصا على أن تكون روائحهما طيبة، ومن الأشياء المنفرة التي هدمت بيوت بسببها هذا الموضوع والرسول عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام مسلم عن شريح بن هانئ قال: قلت لـ عائشة: (بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك)، فأول ما يدخل البيت يستاك، وهذا نوع من إزالة الرائحة الكريهة التي يمكن أن تكون في الفم، فالإنسان ينبغي عليه أن يحرص على هذا، فهذه المرأة تمدح زوجها بأنه طيب العشرة، ولم يفتها أن تصفه بطيب الرائحة.
خبر المرأة التاسعة
وقالت التاسعة: (زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد)، وهي أيضاً تمدحه (رفيع العماد) أي: طويل، لكن هناك فرق بينه وبين العشنق، فهذا طويل وهذا طويل، لكن شتان بين طويل وطويل، فهذا رجل رفيع العماد، طويل، ذو هيئة حسنة، (طويل النجاد)، النجاد: هو جراب السيف، فهذا رجل عندما يلبس السيف يكون الجراب الخاص به طويلاً، وهذا أمر يمتدح به.
فضل الكرم وذم البخل
(عظيم الرماد): إشارة إلى كرمه، أي: لكثرة ما يشوي للضيوف من اللحم ويطبخ لهم صار عنده رماد كثير، فهي تمدحه بالكرم، وهذه الصفة من الصفات التي كان يحرص العرب عليها كثيراً، والسخاء يغطي كل عيب، كما أن البخل لا يظهر حسنة، فالبخيل ليس له حسنة، والكريم ليس له عيب.
¥