صدقت أخي الفاضل أبا زارع والله إني لأعرف أشخاص عدّة من هذا النوع، وأحدهم أذكره منذ استقام والآن وصل في العلم والمكانة عند المشائخ أفضل الدرجات وقد ذكرت في موضوع في الملتقى أنني سألته عن كيف يكون الشخص طالب علم قوي: فملخص ماذكر لي أنك إذا تذللت لله وأكثرت من العبادة والإلتجاء إلى الله والدعاء وقيام الليل وصيام الهواجر وسؤال الله درجة العلماء الراسخين فستصبح طالب علم قوي.
نسأل الله أن يوفقنا للإخلاص ويتقبل منّا.
ـ[محمد بن يحيى محمد]ــــــــ[29 - 04 - 10, 05:40 م]ـ
الإخوة الأفاضل أشكر لك مروركم وبارك الله فيكم ونفع بكم.
النص كاملا:
جاء في مقدمة كتاب: تَدْريبُ الرَّاوِي في شَرْح تَقْريب النَّواوي
لعبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي مايلي:
قال التاج السُّبْكى في كِتَابه «مُعيد النعم»:
من النَّاس فرقة ادَّعت الحديث, فكان قصارى أمرها النَّظر في «مشارق الأنوار» للصَّاغانى, فإن تَرَفَّعَت ارتقت إلى «مصابيح» البغوي, وظنَّت أنَّها بهذا القدر تصل إلى درجة المُحدِّثين, وما ذلك إلاَّ بجهلها بالحديث, فلو حفظ من ذكرناه هذين الكتابين عن ظهر قلب, وضمَّ إليهما من المُتون مثليهما لم يكن مُحدِّثًا, ولا يصير بذلك مُحدِّثًا حتَّى يَلج الجَمَلُ في سَمِّ الخياط, فإن رامت بُلوغ الغاية في الحديث على زعمها, اشتغلت «بجامع الأصول» لابن الأثير, فإن ضمت إليه «علوم الحديث» لابن الصَّلاح, أو مُختصره المُسمَّى «بالتقريب والتيسير» للنووى, ونحو ذلك, وحينئذ يُنادى من انتهى إلى هذا المقام: بمحدِّث المُحدِّثين, وبُخاري العصر, وما ناسب هذه الألفاظ الكاذبة, فإنَّ من ذكرناهُ لا يُعَدُّ مُحدثًا بهذا القدر, وإنَّما المُحدِّث من عرف الأسانيد, والعلل, وأسماء الرِّجال, والعالي والنازل, وحفظ مع ذلك جُملة مُستكثرة من المُتون, وسع الكتب السِّتة, و «مسند» أحمد بن حنبل, و «سنن» البَيْهقى, و «معجم» الطَّبراني, وضمَّ إلى هذا القدر ألف جُزء من الأجزاء الحديثية, هذا أقل درجاته, فإذا سمع ما ذكزناهُ, وكتب الطِّباق, ودار على الشِّيوخ, وتكلَّم في العلل, والوفيات, والمَسَانيد, كان في أوَّل درجات المُحدِّثين, ثمَّ يزيد الله من يشاء ما شاء.
وقال في موضع آخر منه: ومن أهل العلم طائفة طلبت الحديث, وجعلت دأبها السَّماع على المشايخ, ومعرفة العالي من المسموع والنازل, وهؤلاء هم المُحدِّثون على الحقيقة, إلاَّ أنَّ كثيرًا منهم يُجْهِد نفسه في تَهَجِّى الأسماء والمُتون وكثرة السَّماع من غير فهم لما يقرؤه, ولا تتعلَّق فكرته بأكثر من أني حصَّلت جزء ابن عرفة عن سبعين شيخًا, وجُزء الأنصاري عن كذا كذا شيخًا, وجزء ابن الفيل, وجزء البطاقة, ونسخة أبى مسهر, وأنحاء ذلك, وإنَّما كان السَّلف يستمعون, فيقرؤون, فيرحلون, فيفسِّرون, ويحفظون, فيعملون.
ورأيت من كلام شيخنا الذَّهبى في وصية لبعض المُحدِّثين في هذه الطائفة: ما حظ واحد من هؤلاء إلاَّ أن يسمع ليروي فقط, فليُعاقبن بنقيض قصده, وليُشْهرنَّه الله بعد ستره مرَّات, وليبقين مُضْغة في الألْسُن, وعِبْرة بين المُحدِّثين, ثُمَّ ليَطْبعنَّ الله على قلبه, ثُمَّ قال: فهل يَكُون طالب من طُلاَّب السُّنة, يتهاون بالصَّلوات, أو يتعانى تلك العادات؟
وأنحس منه محدِّث يكذب في حديثه, ويختلق الفشار, فإن ترقت همَّته المفتنة إلى الكذب في النَّقل والتَّزوير في الطباق, فقد اسْتراح, وإن تعانى سرقة الأجزاء, وكشط الأوقاف, فهذا لص بسمت مُحدِّث, فإن كمل نفسه بتلوط أو قيادة, فقد تمَّت له الإفادة! وإن استعمل في العلوم فقد ازداد مهانة وخبطًا, إلى أن قال: فهل في مثل هذا الضَّرب خير؟
لا أكثر الله منهم. انتهى.
غاية في النفاسة، بارك الله بكم