الشيخ: هناك قصص يذكرها السلف وتذكر عنهم و اعتمدها , لا لبناء الأحكام عليها وإنما هي من باب حفز الهمم , فينقل عن السلف في العلم والعمل والعبادة والتعب والسهر في هذا الباب , مما يشحذ همة المتأخرين لمحاكاتهم وسلوك سبيلهم , فهل نحن بحاجة إلى أن نبحث إلى صحة هذا الخبر عن فلان؟ وهل نحن نعتمد على هذا؟ لو لم يكن في هذا الباب إلا عمله لقلنا بدعة , لو لم يعتمد على الكتاب والسنة , فهذا لا شك أنه من المنشطات. بل تعدى الأمر ذلك فصاروا يبحثون في أسانيد كتب مستفيضة ومشهورة عند أهل العلم , لكن لقصورهم أو تقصيرهم ما وجدوا من الأسانيد ما يثبتونها به , فجرؤا على أن نفوا هذه الكتب , وهذه مشكلة فإن هذه الكتب تتابع أهل العلم واستفاض النقل عنها , منسوبة إلى من نسبت إليه , ثم يأتينا من يقول: هذا الكتاب لم تثبت نسبته إلى فلان , لماذا؟ لأنه لم يجد سند يسنده إلى فلان , فالاستفاضة أمر معمول به عند أهل العلم , يعني يُقطع بشهادة الاستفاضة بين الناس في الأنساب , فكيف لا تثبت بها الكتب التي ينقل عنها الأئمة الثقات الأعلام , أهل الخبرة والدراية , المميزون بين ما يثبت وما لا يثبت , فتتبع مثل هذا والتنبيه عليه لا شك أنه من الفضول , ومثل هذا لا شك أنه يعوق عن تحصيل المهمات.
أما بالنسبة لما طلبه ورجاه , من شرح أحد كتب السنة , هذا النية موجودة له. وهناك أشرطة كثيرة حول أبواب من صحيح البخاري , وصحيح مسلم , وللسنن , ولغيرها من كتب السنة , ولبلوغ المرام , وغيره من كتب الأحكام , ويحرص الطلاب على تفريغها وتصحيحها وتصويبها , لكنني غير مقتنع من تفريغ الأشرطة ونشرها في كتب , لأن التأليف فن.
السائل: لماذا لا تراجعونها يا شيخ؟
الشيخ: أنا عندي التأليف إبتداءاً أسهل من مراجعة ما كتب , والتأليف فن , والإلقاء فن آخر, نعم بعض الناس عنده ملكة في الإلقاء , وترتيب للمعلومات بحيث يقرب جدا من الكتابة , مثل هذا لا بأس , كالشيخ ابن عثيمين مثلاً , والشيخ صالح الفوزان , إلقائهم قريب من التأليف , كلامهم دقيق ومرتب ولو فُرِّغ لخرج في كتاب. وأنا أتحدث عن نفسي , ما يسجل عني في الدروس لا يصلح للنشر كتابة , نعم يقبل سماعه , لكن أنا نفسي لا أقبله ولا أطيق أن أقرأ ما يفرغ.
السائل: ومشروع التأليف يا شيخ؟
الشيخ: أما مشروع التأليف والجلوس بين الكتب والتأليف هذا لا شك أنه هم.
السائل: لكن بدأت في شيء منها يا شيخ؟
الشيخ: بدأت لكن أين الوقت؟ لأن من تصدى للشباب ومحاولة نفعهم , لا يتركون له فرصة , وإن كان باب التأليف مهم , وهو الباقي بإذن الله عز وجل نسأل الله جل وعلا أن يرزق الجميع الإخلاص.
يتبع بإذن الله تعالى ...
ـ[مكتب الشيخ عبدالكريم]ــــــــ[30 - 10 - 04, 03:10 ص]ـ
الحلقة الثانية عشرة
السائل: سنن الترمذي يا شيخ.
الشيخ: نعود إلى جامع أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي , وهو من الجوامع لأن كتب السنة منها الجوامع التي تشمل أبواب الدين , ومن أهمها البخاري ومسلم والترمذي , ومنها السنن ومن أهمها سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه , ومنها المصنفات كمصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبدالرازق , وهي قريبة في مادتها وترتيبها من السنن , إلا انها لكثرة ما فيها من آثار تختلف عن كتب السنن , منها أيضاً الموطأات , ومنها المعاجم , ومنها المسانيد , إلى غير ذلك من الكتب. جامع أبي عيسى الترمذي أحد الجوامع التي تشتمل على أبواب الدين , وعني به العلماء عناية فائقة , لكثرة ما يحويه من أحاديث ومن علوم ومن معارف في السنة , ومن تنبيهات اصطلاحية ونقل لأقوال أهل العلم , وذكر شواهد الحديث المذكور, فالترمذي يعقب على الحديث الذي يرويه في قوله: (وفي الباب عن فلان وفلان) هذه شواهد للحديث , يُعنى بها الشراح ويخرجونها. والآن نعرض لبعض شروح الترمذي.
السائل: أستاذنك يا شيخ قبل أن نعرض لبعض شروح سنن الترمذي معنا إتصال من الشيخ عمر المقبل.
¥