تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فائدة علمية لطلابَ العلم: دونكم هذا الطالبَ الموريتانيَّ وهمَّتَهُ في التحصيل.

ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[06 - 03 - 09, 02:20 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فقد جمعني قبل أيامٍ مجلسٌ بأحد الأحبة الكرام من أبناء العمومة الأدباء , وتسامرتُ وإياهُ ليلةً جميلةً ,طفنا بالحديث فيها على كثير من الأمور , كان من أبرزها ما أخبرني به عن خاله الذي فتح الله عليه في المال وبسط له في الرزق.

يقول: كانَ بيتُ خالي بيتَ علمٍ في موريتانيا ولا يزالُ حتى اليومَ (وصَدقَ) وقد قام خالي بالتكفل ببناء محظرةٍ لطلبة العلم , وتكفل برواتب المعلمين فيها وإعاشتهم وإعاشة كل طلبتها القادمين إليها من كل أرض , بل وحتى شراء الكتب لهم بين كل فترة وأخرى وتعمير المحظرة بها.

ويذهبُ هذا الموسرُ حفظه اللهُ كل عدة أشهر لتفقد حال المحظرة والقيام على احتياجاتها إضافةً لما يبعثُ لهم به كل شهر من النفقات.

مع أن العادة في الغالب عند طلبة العلم في المحاظر أن يتزود قُصَّادها بالزاد من عند أهليهم ويجتمعون متعاونين على المعيشة إضافةً لما يتحفهم به الجيرانُ وأهل منطقة المحظرة.

وفي إحدى زياراته لفت نظرهُ طالبُ علمٍ وهو يدخلُ المحظرة حيثُ كانت (درَّاعتُهُ) - يعني الثوب الموريتاني الفضفاض - مرقعةً ترقيعاً شديداً ملفتاً للنظر.

فناداهُ القائمُ على المحظرة وسألهُ: أأنتَ تلبسُ هذه الدَّراعةَ الباليةَ صيانةً للباسك الجديد عن أن يتسخ ويصيبهُ حبرُ الدواة والغبارُ وغير ذلك .. ؟

قال الطالب له: أأنت فلان .. ؟ (يعني قيمَ المحظرة)

قال الرجل: نعم.

قال: لو سمحتَ أنا أريدك بعيداً عن الناس لأحدثك حديثاً خاصاً.

ابتعدَ القيمُ والطالبُ عن الأنظار فقال له الطالب:

أنا من بلدة (كذا) على الحدود الموريتانية مع إحدى جاراتها , وقد طفتُ بجُل المحاظر التي حول بلدتنا , أمكُثُ في كل منها فترةً من الزمن متطفلاً على أهلها ومشاركاً لهم في عيشهم وطعامهم , حتى استحييتُ من نفسي ومن الناس وأكملتُ حفظَ 44 حزباً من القرآن , ولم تعد عندي القدرةُ على الزيادة من التطفل والإثقال على الطلبة بالمشاركة في طعامهم وقوتهم , فقبعتُ في دار أهلي المعدمين أكرر ثلاثة أرباع القرآن التي من الله علي بها.

وبعد مدةٍ من الزمن أبلغني أحد طلبة العلم أو عامة الناس , بأنَّ في منطقة كذا محظرة (آل فلان) لها قيمٌ متكفلٌ بالإعاشة وكافة مستلزمات التعلُّم والتعليم , فبعتُ بقرةً كانت عند أهلي يحتلبونها وسافرتُ بثمنها , وقد أكملتُ القرآنَ كُله وأجِزتُ فيه , والآنَ أدرسُ الرسم وعما قريب أنهيه , وشرعتُ في دراسة الفقه والأصول, فجزاك الله عنا خير الجزاء.

أمَّا الدراعةُ فلستُ أملك غيرها , لأصونه عن الدواة والغبار والأتربة , حفظك الله.

يقول القيِّم: أثر في هذا الطالبُ تأثيراً بالغاً جداً , وأعطيته ما قسم الله مما يشري به عدة أثوابٍ مما اعتاد الطلبة على لبسه حتى لا يكون أقل منهم مظهراً وأوصيتُ به خيراً وسافرت.

ثم يقول: وفي إحدى الرحلات الجوية أكرمني الله بأن يكون معالي الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي - عضو هيئة كبار العلماء- جليسي في مقاعد الطائرة , فسرَّني ذلك وتجاذبنا أطراف الحديث وقدر الله أن أحكي له خبرَ هذا الطالب (وليتني لم أفعل) فقد تحول هذا الرجل العالمُ في لحظات إلى طفلٍ صغيرٍ بنشيجه وبكائه وأنا أتململُ حرجاً مما فعلتُ به , فقد بكى ونشق ونشجَ حتى تمنيتُ أن لو لم أكن لقيته فضلاً عن أن أكون حدثته بذلك.

وبعد ما هدأ روع الشيخ وانقطع بكاءه وجفت مدامعهُ أو صاني به خيراً وسلمني مبلغاً مالياً كبيراً وحرصني على أن يصل المالُ للطالب في أقرب وقت.

قال أبو زيد الشنقيطي:

هكذا فلتكن الهمةُ في الطلب والإخلاصُ في الدراسة , أين أنا وأنتَ وأنتِ من هذا الفقير المعدمِ الذي أنهى أكثر من ثلثي القرآن متطفلاً على الموائد , ومنعه الحرجُ من إكمال بقيته , وانقطع ولم ينقطع شغفه بالعلم.

لقد تأملتُ مصاريف بعضنا على فاتورة الجوال وغسيل السيارة اليومي وغيرها من الكماليات فوجدتها تبني أسراً , وتفك رقاباً , وتعمر مساجدَ , وتصنعُ علماءَ للأمةِ لا يعلمُ نفعهم عليها إلا الله , وإني لأعلمُ من مشاهير الدعاة والحُفَّاظ القراء والخطباء اليومَ من كانوا حسنةً من حسنات المحسنينَ الممولين للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن , أو المتكفلين براتب مدرسيهم , أو المشتغلين بتوزيع كسوة العيد عليهم , ولا يعلمُ هؤلاء المحسنون اليومَ قدر ما أفاء الله عليهم إذ كانوا سبباً في نفع الأمة ببعض هؤلاء المشاهير اليوم.

اللهمَّ لا تؤاخذنا بما نحنُ فيه من التقلب في نعمك والتفنن في كفرها.

ـ[المغربي أبو عمر]ــــــــ[06 - 03 - 09, 02:34 م]ـ

جزاك الله خيراً

ـ[أبو يوسف الحلبي]ــــــــ[06 - 03 - 09, 03:31 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي أبو زيد الشنقيطي

أحسن الله إليك لذكرك لهذه الحادثة الأخَّاذة، وأدعو البَرَّ الغفور أن يقيض لأهل العلم من يقوم على شؤونهم، ويحسن إليهم، ويعينهم في رحلتهم في آفاق العلوم الشرعية النبيلة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير