ـ[أبو عبد الله مصطفى]ــــــــ[11 - 03 - 09, 06:39 ص]ـ
شرحها عبد الفتاح أبو غدة ولعلي أضعه لك هنا:
شرح قصيدة عنوان الحكم للبستي للشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى
هذه القصيدة من اختيار وتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى، وهي قصيدة جليلة تنفع في التبصر في تقاليب الدهر والأيام. ونرشحها لمنشد ندي الصوت يتغنى بها، ليسهل حفظها على الصغار والكبار. كل ما نورده هنا هو من تقديم وشرح الشيخ أبو غدة. ونرجو ألا يكون طول القصيدة مملاً ففيها من الحكم ما سيقف القارئ عليه.
كان أبو الفتح رحمه الله تعالى شاعر عصره، وكاتب دهره، وأديب زمانه، في النظم والنثر كما شهد لد بذلك معاصروه؛ وله شعر رائق تكثر فيه الحكم والمعاني البديعة، كما تشيع فيه الصنعة البلاغية العذبة، وله ديوان شعر مطبوع، وله مدائح كثيرة في الإمام الشافعي رضي الله عنه، وله (شرح مختصر الجويني) في فقه السادة الشافعية، ذكره له صاحب (كشف الظنون)
وله نثر رائع بديع، يكثر فيه التجنيس والتبديع، فمن أقواله الحكيمة التي جرت مجرى الأمثال: من أصلح فاسده، أرغم حاسده. من أطاع غضبه، أضاع أدبه. عادات السادات، سادات العادات. من سعادة جَدِّك، وقوفك عند حدك. الفهم شعاع العقل. حد العفاف، الرضا بالكفاف. المنية تضحك من الأُمنيَّة. الدعة، رائد الضعة. من حسنت أطرافه، حسنت أوصافه. أحصن الجُنَّة، لزوم السنة. العقل، جهبذ النقل. الإنصاف، أحسن الأوصاف. إذا بقي ما قاتك، فلا تأس على ما فاتك.
وقد ترجم له صاحبه الإمام الأديب المؤرخ أبو منصور الثعالبي، في كتابه (يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر)، في اثنتين وثلاثين صفحة، فأطنب وأسهب في مدحه والثناء عليه، وأورد من نثره العالي وشعره البديع في مختلف الأغراض الشيء الكثير.
(وأكثر أشعار أبي الفتح البستي مقطعات، وأبياتها أبيات القصائد، وفرائد القلائد، وأطول قصائده وأشهرها قافيته النونية في الأمثال، يستهيم في حفظها وروايتها أهل الأدب، يعنى بها الناس حتى الصبيان في المكتب، ومطلعها: (زيادة المرء في دنياه نقصان). وقد شرحها غير واحد من العلماء، وممن شرحها ذو النون بن أحمد السرماري البخاري ثم العينتابي، المتوفى سنة 677، وترجمت إلى الفارسية، ذكر ذلك صاحب كشف الظنون.
والحق أنها قصيدة تفيض بالنصح والهداية والتبصير، ومع العذوبة والفصاحة والجزالة، وحسن الصنعة البلاغية الرشيقة، فهي كما قال ناظمها رحمه الله تعالى في أوائلها:
وأرع سمعك أمثالاً أفصلها كما يفصل ياقوت ومرجان
وهي أنطق دليل على رفعة أدبه، وبلاغة بيانه، وكياسة فكره، وصلاح نفسه، وقد ضمنها النصائح الغالية، والمواعظ البليغة الواعية، فهي لآلئ منثورة، وجواهر منظومة، وكل بيت منها حكمة مستقلة بنفسه، يغني عن قراءة رسالة أو كتاب، فهي من خير الشعر الحِكَميِّ وأبلغه.
[قصيدة عنوان الحكم للشاعر الأديب أبي الفتح البستي]
بسم الله الرحمن الرحيم
زيادة المرء في دنياه نقصان & وربحه غير محض الخير خسران
وكل وجدان حظ لا ثبات له & فإن معناه في التحقيق فقدان
يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً & تالله هل لخراب الدهر عمران؟
ويا حريصاً على الأموال تجمعها & أنسيت أن سرور المال أحزان
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته & أتطلب الربح فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستعمل فضائلها & فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
دع الفؤاد عن الدنيا وزخرفها & فصفوها كدر والوصل هجران
وأوع سمعك أمثالاً افصلها & كما يفصل ياقوت ومرجان
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم & فطالما استعبد الإنسان إحسان
وإن أساء مسيء فليكن لك في & عروض زلته صفح وغفران
وكن على الدهر معواناً لذي أملٍ & يرجو نداك فإن الحر معوان
واشدد يديك بحبل الله معتصماً & فإنه الركن إن خانتك أركان
من يتقي الله يحمد في عواقبه & ويكفه شر من عزوا ومن هانوا
من استعان بغير الله في طلب & فإن ناصره عجز وخذلان
من كان للخير مناعاً فليس له & على الحقيقة إخوان وأخدان
من جاد بالمال مال الناس قاطبة & إليه والمال للإنسان فتان
من سالم الناس يسلم من غوائلهم & وعاش وهو قرير العين جذلان
من مد طرفاً لفرط الجهل نحو هوى & أغضى على الحق يوماً وهو حزنان
من عاشر الناس لاقى منهم نصباً & لأن أخلاقهم بغي وعدوان
¥