(4) ثم قال: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} وهو القرآن والسنة، قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول , ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه , فيؤمنون ببعضه , ولا يؤمنون ببعضه , إما بجحده أو تأويله , على غير مراد الله ورسوله , كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة , الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف قولهم , بما حاصله عدم التصديق بمعناها , وإن صدقوا بلفظها , فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا.
وقوله: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} يشمل الإيمان بالكتب السابقة، ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت عليه , خصوصًا التوراة والإنجيل والزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم.
ثم قال: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} و " الآخرة " اسم لما يكون بعد الموت، وخصه [بالذكر] بعد العموم , لأن الإيمان باليوم الآخر , أحد أركان الإيمان؛ ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل، و " اليقين " هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك , الموجب للعمل.
(5) {أُولَئِكَ} أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} أي: على هدى عظيم , لأن التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة، وهل الهداية الحقيقية إلا هدايتهم، وما سواها مما خالفها، فهو ضلالة.
وأتى بـ " على " في هذا الموضع , الدالة على الاستعلاء , وفي الضلالة يأتي ب ـ " في " كما في قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى , مرتفع به , وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر.
ثم قال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم , وما عدا تلك السبيل , فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك.
المرجع: (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.
ـ[السلفية النجدية]ــــــــ[18 - 04 - 09, 02:50 م]ـ
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ـــــ
(23) وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحة ما جاء به، فقال: {وإن كنتم} معشر المعاندين للرسول , الرادين دعوته , الزاعمين كذبه في شك واشتباه , مما نزلنا على عبدنا , هل هو حق أو غيره؟ فها هنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم , ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم , لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله , وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون , فأتوا بسورة من مثله , واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم , فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصًا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة , والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله , فهو كما زعمتم , وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز , ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى , ودليل واضح جلي على صدقه وصدق ما جاء به , فيتعين عليكم اتباعه , واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة والشدة، أن كانت وقودها الناس والحجارة , ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب , وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله , بعد ما تبين لكم أنه رسول الله.
¥