(24) وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي , وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}.
وكيف يقدر المخلوق من تراب , أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه , أن يأتي بكلام ككلام الكامل , الذي له الكمال المطلق , والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان , ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة بأنواع الكلام , إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء , ظهر له الفرق العظيم.
وفي قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} إلى آخره , دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة: هو الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق.
وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه , فهذا لا يمكن رجوعه , لأنه ترك الحق بعد ما تبين له , لم يتركه عن جهل , فلا حيلة فيه.
وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق , بل هو معرض غير مجتهد في طلبه , فهذا في الغالب أنه لا يوفق.
وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم , دليل على أن أعظم أوصافه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيامه بالعبودية , التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين.
كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} وفي مقام الإنزال، فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}.
وفي قوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ونحوها من الآيات , دليل لمذهب أهل السنة والجماعة , أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضًا , أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار , لأنه قال: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} فلو كان عصاة الموحدين يخلدون فيها , لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة.
وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه , وهو الكفر , وأنواع المعاصي على اختلافها.
ـ[السلفية النجدية]ــــــــ[18 - 04 - 09, 02:59 م]ـ
ملحوظة: من باب الأمانة العلمية، فإن تفسير الشيخ (عبد الرحمن السعدي) - رحمه الله -، لم أنقله من الكتاب، بل نقلته من المكتبة الإسلامية من موقع (نداء الإيمان)؛ توفيرا للوقت ..
http://www.al-eman.com/islamlib/
والله نسأل التوفيق والسداد ..
ـ[السلفية النجدية]ــــــــ[11 - 05 - 09, 10:44 م]ـ
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
(25) لما ذكر جزاء الكافرين , ذكر جزاء المؤمنين , أهل الأعمال الصالحات , على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب , ليكون العبد راغبا راهبا , خائفا راجيا فقال: {وَبَشِّرِ} أي: يا أيها الرسول ومن قام مقامه {الَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بجوارحهم , فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة.
ووصفت أعمال الخير بالصالحات , لأن بها تصلح أحوال العبد , وأمور دينه ودنياه , وحياته الدنيوية والأخروية , ويزول بها عنه فساد الأحوال , فيكون بذلك من الصالحين , الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته.
فبشرهم {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} أي: بساتين جامعة من الأشجار العجيبة , والثمار الأنيقة , والظل المديد , والأغصان والأفنان وبذلك صارت جنة يجتن بها داخلها , وينعم فيها ساكنها.
{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: أنهار الماء , واللبن , والعسل , والخمر، يفجرونها كيف شاءوا , ويصرفونها أين أرادوا , وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار.
¥