(تالله ما هزلت فيستامها المفلسون، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد فلم يرضى لها بثمن دون بذل النفوس، تأخر البطالون، وقام المحبون ينظرون أيهم يصلح أن يكون لها ثمنا، فدارت السلعة بينهم، ووقفت في يد قوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين. عرفوا عظمة المشتري، وقدر السلعة، وفضل الثمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع فرأوا من الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس، فعقدوا معه بيعة الراضون أو التراضي، فربح البيع لا إقالة ولا إستقالة).
سعوا للمعالي وهم صبية ......... وسادوا وجادوا ومهم في المهود
إنها سلعة الله وكفى؛ سلعة الله غالية جد غالية، تحتاج إلى مثابرة، وجهد وصبر ومصابرة وتضحية ومغالبة.
ومن هجر اللذات نال المنى ومن ......... أكب على اللذات عض على اليد
يا سلعة الرحمن ليست رخيصة ......... بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها ............. في الألف إلا واحد لا إثنان
يا سلعة الرحمن أين المشتري .......... فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب ........ فالمهر قبل الموت ذو إمكان
يا سلعة الرحمن لولا أنها .............. حجبت بكل مكاره الإنسان
ما كان عنها قط من متخلف ........... وتعطلت دار الجزاء الثاني
لكنها حجبت بكل كريهة ............... ليصد عنها المبطل المتواني
وتنالها الهمم التي تسمو إلى ........... رب العلا بمشيئة الرحمن
فاتعب ليوم معادك الأدنى ............. تجد راحته يوم المعاد الثاني
فحى على جنات عدن فإنها ........... منازلنا الأولى وفيها المخيم
وحي على روضتها وخيامها .......... وحي على عيش بها ليس يسأم
وسيلة تثبيت واتزان:
وعلى الطريق وسيلة تثبيت واتزان: إنها الدعوة اإلى الله الكبير المتعال، على علم وبصيرة، لأنك في هذا السفر ستجد دعاة على الطريق يريدون أن يجتالوك عن الطريق، فإن لم تدعهم إلى الحق الذي تحمله دعوك إلى الباطل، إن لم تغزهم بالحق غزوك بالباطل، إن لم تعرض عليهم الحق عرضوا عليك الباطل في صور الحق، فارفع على الطريق: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ) (يوسف:108) لا لدنيا أو هوى أو عصبة ......... دون خزي أو نفاق أو خطل
إنها صدق وإخلاص لمن .......... هو يجزي وحده عز وجل
فارفع على الطريق هذا الشعار، وأعلم: (أن العمل لا نهاية له، إطاره الأرض- مطلق الأرض- وميدانه الإنسان من غير حد للون ولا لجنس ولا لغة)، إنها جمع وتأليف على ساحة الإسلام من غير دخل. وعمل بهذه السعة يحتاج إلى رسم خطط دقيقة، إلى دراسات متأنية، على نبذ للفوضوية ولو بحسن نية، فالارتجال والفوضى خلل ووهن واضطراب في التصور، لأن الأمة في حاجة ماسة إلى جيل مصلح منقذ يمارس خدمة الإسلام بأرقى أساليب الإدارة والتوجيه، (جيل يتجاوز العشوائية، ويكفر بالغوغائية، يحتكم إلى حقائق الكتاب والسنة لا إلى الوهم، ولا ينسى وهو يتطلع إلى السماء أنه واقف على الأرض، فلا يجري وراء الخيال والأحلام والأماني، ولا يسبح في غير ماء، ولا يطير بغير جناح، جيل واقعي لا يسبح في البر، ولا يحرث في البحر، ولا يبذر في الصخر، لا ينسج خيوطا من الخيال، ولا يبني قصورا في الرمال)، ولا ييأس من روح الله، ولا يقنط من رحمة الله، لكنه يعرف حدود قدراته وإمكاناته، فيأخذ بالأسباب، ويدرس مشروعية الوسائل قبل أن يقدم على الأهداف.
ولسنا بدعا في ذلك يوم ندعو إلى ذلك؛ فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو الأسوة والقدوة – لما هاجر إلى المدينة خرج بطريقة مدروسة منظمة عجيبة، اتخذ فيها كل الأسباب متوكلا على ربه ويظهر من خلال ما يلي:
أولا: الاتصال بالأنصار الذي تم من خلاله بيعة العقبة الأولى.
ثانيا: بعث النبي صلى الله عليه وسلم لمصعب بن عمير إلى الأنصار ليقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في دين الله.
ثالثا: بيعة العقبة الثانية التي هي شد للوثاق والعهد على النصرة في المنشط والمكره والعسر واليسر، بعد ان استوعب النبي صلى الله عليه وسلم درس الطائف قبل ذلك.
رابعا: أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالهجرة حتى لم يبق بمكة إلا محبوس أو مفتون.
¥