وكل إنسان يتصل بالناس فلابد أن يجد من الناس شيئا من الإساءة فموقفه من هذه الإساءة أن يعفو ويصفح وليعلم علم اليقين أنه بعفوه وصفحه ومجازاته بالحسنى سوف تنقلب العداوة بينه وبين أخيه الى ولاية و صداقه قال الله تعالى
{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} (فصلت آيه 34)
فما هو الأحسن السيئة ام الحسنه؟ الحسنه، وتأملوا أيها العارفون باللغة العربية كيف جاءت النتيجة بـ (إذا) الفجائية تدل على الحدث الفوري في نتيجتها
{فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}
ولكن هل كل أحد يوفق الى ذلك؟ لا
{وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم} (فصلت آيه 83)
وها هنا مسألة:
هل نفهم من هذا أن العفو عن الجاني مطلقا محمود ومأمور به؟ قد نفهم من هذا الكلام أن العفو مطلقا محمود ومأمور به. ولكن ليكن معلوما لديكم أن العفو إنما يحمد اذا كان العفو أحمد فان كان أحمد فالعفو أفضل ولهذا قال الله تعالى:
{فمن عفى وأصلح فأجره على الله}،
فجعل العفو مقرونا بالإصلاح.عفى وأصلح .. هل يمكن أن يكون العفو غير إصلاح؟
الجواب:نعم.قد يكون هذا اجترأ عليك وجنى عليك وهو رجل شرير معروف بالشر و الفساد؛ فلو عفوت عنه لتمادى في شره و فساده، فما هو الأفضل حينئذ، أن نعفو أو نأخذ بالجريمة؟ الأفضل أن نأخذ بالجريمة؛لأن في ذلك إصلاحا.
قال شيخ الإسلام: ((الإصلاح واجب، والعفو مندوب)).
فاذا كان في العفو فوات الإصلاح فمعنى ذلك أننا قدمنا مندوبا على واجب. وهذا لا تأتي به الشريعة. وصدق رحمه الله. وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يفعلها كثير من الناس بقصد الإحسان. وهي أن تقع حادثة من شخص فيهلك بسببها شخص آخر فيأتي أولياء المقتول فيسقطون الدية عن هذا الجاني الذي فعل الحادث فهل إسقاطهم محمود ويعتبر من حسن الخلق أو في ذلك تفصيل؟ في ذلك تفصيل.
لابد أن نتأمل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول أنا لا أبالي أن أصدم شخصا لأن ديته في الدرج. والعياذ بالله؟
أم أنه رجل حصلت منه الجناية مع كمال التحفظ وكمال الاتزان ولكن الله تعالى قد جعل كل شئ بمقدار؟ فالجواب: ان كان من الطراز الثاني فالعفو بحقه أولى ولكن قبل العفو حتى في الطراز الثاني يجب أن نلاحظ هل على الميت دين؟ اذا كان عليه دين فانه لا يمكن أن نعفو.
ولو عفونا فان عفونا لا يعتبر وهذه مسألة ربما يغفل عنها كثير من الناس لماذا نقول انه قبل العفو يجب أن نلاحظ هل على الميت دين أم لا؟ لماذا نقول ذلك؟
لأن الورثة يتلقون الاستحقاق لهذه الدية من أين؟ من الميت الذي أصيب بالحادث ولا يرد استحقاقهم الا بعد الدين ولهذا لما ذكر الله الميراث قال:
{من بعد وصية يوصي بها} (النساءآيه11)،
هذه مسألة تخفى على كثير من الناس وعلى هذا فنقول: اذا حصلت حادثة على شخص ما فانه قبل أن يقدم على العفو ننظر في حال الجاني أولا هل هو من المتهورين أم لا؟ وفي حال المجني عليه هل عليه دين أم لا؟
والحاصل: أن من حسن الخلق العفو عن الناس وهو من بذل الندى لأن بذل الندى: إما اعفاء واما اسقاط والعفو من الإسقاط.
الثالث: طلاقة الوجه.
بأن يكون الانسان طليق الوجه وضد طليق الوجه عبوس الوجه ولهذا قال النبي عليه الصلاة و السلام: ((لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)) [أخرجه مسلم].
طلاقة الوجه تدخل السرور على من قابلك وعلى من اتجه لك وتجلب المودة والمحبة وتوجب انشراح القلب بل توجب انشراح الصدر منك وممن يقابلك _ وجرب تجد_ لكن اذا كنت عبوسا فان الناس ينفرون منك ولا ينشرحون بالجلوس إليك ولا بالتحدث معك وربما تصاب بمرض خطير يسمى بالضغط فان انشراح الصدر وطلاقة الوجه من اكبر العقاقير المانعة من هذا الداء داء الضغط ولهذا فان الأطباء ينصحون من ابتلى بهذا الداء بان يبتعد عما يثيره ويغضبه لأن ذلك يزيد في مرضه فطلاقة الوجه تقضي على هذا المرض لأن الانسان يكون منشرح الصدر محبوبا الى الخلق.
هذه الأصول الثلاثة التي يدور عليها حسن الخلق في معاملة الخلق.
¥