ومما ينبغي أن يعرف من حسن الخلق حسن المعاشرة بأن يكون الانسان مع من يعاشره من أصدقاء، و أقارب، وأهل يكون حسن العشرة معهم لا يضيق بهم و لا يُضيق عليهم بل يدخل السرور عليهم بقدر ما يمكنه في حدود شريعة الله وهذا القيد لا بد منه في حدود شريعة الله لأن من الناس من لا يُسر إلا بمعصية الله والعياذ بالله هذا لا نوافق عليه لكن إدخال السرور على من يتصل بك من أهل و أصدقاء و أقارب هذا من حسن الخلق ولهذا قال النبي عليه الصلاة و السلام
((إن خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي)) [أخرجه أحمد، وابن ماجة، والهيثمي].
وكثير من الناس مع الأسف الشديد يحسن الخلق مع الناس، ولكنه لا يحسن الخلق مع أهله وهذا خطأ وقلب للحقائق، كيف تحسن الخلق مع الأباعد وتسيء الخلق مع الأقارب.؟ فالأقارب أحق الناس أن تحسن إليهم الصحبة والعشرة، ولهذا قال رجل يا رسول الله:
((من أحق الناس بصحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. في الثالثة أو الرابعة)) [البخاري ومسلم].
والحاصل أن إحسان العشرة مع الأهل والأصحاب والأقارب كل ذلك من حسن الخلق، وينبغي لنا في هذه المراكز الصيفية أن نستغل وجود الشباب بحيث نمرنهم على إحسان الخلق لتكون هذه المراكز تعليم وتربية، لأن العلم بدون تربية قد يكون ضرره أكثر من نفعه، لكن مع التربية يكون العلم مؤديا لنتيجته المقصودة، ولهذا قال الله تعالى
{ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} (آل عمران 78).
هذه فائدة العلم أن يكون الإنسان ربانيا بمعنى مربيا لعباد الله على شريعة الله.
فهذه المراكز الذي نأمل من القائمين عليها أن يجعلوها ميدانا للتسابق في الأخلاق الفاضلة ومنها حسن الخلق، فحسن الخلق يكون بالطبع ويكون بالتطبع - كما تقدم – وحسن الخلق بالطبع أكمل من حسن الخلق بالتطبع، وأتينا على ذلك بدليل وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام ((بل جبلك الله عليهما))،
وحسن الخلق بالتطبع قد يفوت على الإنسان في مواطن كثيرة، لأن حسن الخلق بالتطبع يحتاج الى ممارسة وإلى معاناة وإلى تذكر عند وجود كل ما يثير الإنسان، ولهذا جاء رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام [قال يا رسول الله أوصني، قال: (لا تغضب) وقال النبي عليه الصلاة و السلام ((ليس الشديد بالصرعة و إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) [البخاري ومسلم]
ما معنى الصرعة؟ هو الذي يغلب الرجال و يصرعهم.
(ليس الشديد بالصرعة) يعني الذي يصرع الناس. ولكن إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب الذي يصرع نفسه و يملكها عند الغضب هو الشديد. وملك الانسان نفسه عند الغضب يعتبر من أحاسن الأخلاق فاذا غضبت فلا تنفذ الغضب استعذ بالله من الشيطان الرجيم واذا كنت قائما فاجلس واذا كنت جالسا فاضجع واذا زاد بك الغضب فتوضأ حتى يزول عنك.
والمقصود أننا نقول:ان حسن الخلق طبع وتطبع وأن حسن الخلق بالطبع هو الأفضل؛لأنه يكون سجية الانسان ويسهل عليه في كل موطن ولكن التطبع قد يفوته في بعض المواقف.
كذلك نقول ان حسن الخلق يكون بالاكتساب بمعنى أن الانسان يمرن نفسه فكيف يكون الانسان
حسن الخلق؟ يكون الانسان حسن الخلق بالآتي
أولا: بأن ينظر في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ينظر النصوص الدالة على مدح ذلك الخلق العظيم والمؤمن اذا رأى النصوص تمدح شيئا من الأخلاق أو من الأعمال فانه سوف يقوم به.
ثانيا: مجالسة الأخيار و الصالحين الموثوق في علمهم و أمانتهم يقول النبي عليه الصلاة و السلام:
((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك و كير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك أما تشتريه أو تجد ريحه و كير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة)) [أخرجه البخاري].
فعليكم أيها الشباب أن تصاحبوا من عُرفوا بحسن الأخلاق و البعد عن مساوئ الأخلاق و سفاسف الأعمال حتى تأخذوا من هذه الصحبة مدرسة تستعينون بها على حسن الخلق.
ثالثا:أن يتأمل الانسان ماذا يترتب على سوء خلقه فسيء الخلق ممقوت وسيء الخلق مهجور وسيء الخلق مذكور بالوصف القبيح.
فاذا علم الانسان أن سوء الخلق يفضي به الى هذا فانه يبتعد عنه.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم ظاهرا و باطنا و أن يتوفانا على ذلك و أن يتولنا في الدنيا و الآخرة و أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا و أن يهب لنا منه رحمة انه هو الوهاب.
كتاب العلم (ص 247) لسماحة العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله الطبعة الثانية –
دار الثريا للنشر.
ـ[عاصم عبدالرحمن المبارك]ــــــــ[25 - 06 - 09, 04:22 م]ـ
جزاك الله خيرا أخانا وحبنا في الله عبدالله الأثري الجزائري نصحت وأجملت وأحسنت والله كم نحن في أمس الحوجة لهذه النصيحة الربانية فرحم الله شيخنا العلامة بن العثيمين وجزاه الله عنا وعن المسلمين خير ما يجزي به عباده الصالحين ونور الله قبره بحلو النعم من جنات وروضات وفرح لا ينتهي أبدا امين ..