الأفعال) في الصرف لابن مالكوالبيقونية والرحبية وبلوغ المرام وغيرها.
سادساً: حفظ النص قبل الحضور إلىالشيخ ليشرحه، وهذه من أهم الطرق التي تعين الطالب على متابعة الحفظ دون انقطاع أوتأخر، وكان شيخنا الشيخ سيد أحمد بن المعلوم البصادي ـ رحمه الله ـ لا يشرح لأيطالب نصاً حتى يسمعه منه غيباً، فيبدأ الشيخ في شرحه وتفكيك ما استغلق على الطالبفهمه.
سابعاً: لا يحفظ الطالب إلا ما يحتاجه ويمارسه في حياته من العلوموالأبواب في الفن. فالطالب إذا كان يقرأ مختصراً فقهياً مثلاً، وبلغ في المتن كتابالحج، ولم يكن من أهل الوجوب والاستطاعة فإنه يتعداه إلى غيره وهكذا في أبوابالفرائض والقضاء والجهاد وقِس على ذلك بقية الأبواب في الفنون المختلفة.
ثامناً: تأثر البيئة بالحركة العلمية: فقد خالط حفظ العلم في بلاد شنقيط حياة الناس هناك؛ ففي بلاد الزوايا (21)، يعتبرون من تقصير الأب في حق ابنه إذا بلغ وهو لا يحفظالقرآن حفظاً متقناً ولا يعرف من الأحكام ما يقيم به عباداته، ولا من العربية مايصلح به لسانه، بل ينظرون إليه نظرة ازدراء واحتقار وأنه قد عق ابنه وقصّر فيتربيته. وكان من عادة أهل الشيخ القاضي (اجيجبه) أن لا يتسرول (22) الشاب منهم حتىيتم دراسة مختصر خليل، فحفظ المختصر عندهم شرط معتبر للرجولة وسمة للنضج.
وتجدأمثال العامة ومخاطباتهم خارج حلقات الدرس قد صبغت بلون المتون السائدة؛ فمنأمثالهم إذا أرادوا وصف الشيء بأنه بلغ إلى منتهاه يقولون: (لا حِق فلا إشكال) أيوصل في كذا إلى ذروته وعبارة (لاحق فلا إشكال) هي آخر جملة في مختصر الشيخخليل.
ومن أمثالهم قولهم: (وحَذْفُ ما يُعلم جائز) وهو جزء من بيت من خلاصة ابنمالك في الألفية.
تاسعاً: عقد مجالس للمذاكرة والإنشاد والألغاز في العطلةالمحضرية. وهي عطلة نهاية الأسبوع العمرية (الخميس وجناحاه مساء الأربعاء وصباحالجمعة).
فيعقد طلاب (الدولة) أو المنتهون مجالس السمر وغالباً تكون ليلة الخميسأو الجمعة يتذاكرون فيها ما درس خلال الأسبوع ويتبارون في تجويد حفظه وإتقانه، أويحددون باباً أو فصلاً من كتاب يتحاجون فيه، وأعرف عدة مجالس في المدينة المنورةعقدت لهذا الغرض منها مجالس لبعض النساء عَقَدْنَهُ لمذاكرة حفظ القرآن والفقهوالسيرة النبوية، ومن ذلك ما يُروى أن محمد بن العباس الحسني ـ وهو راوية شعر ـادعى ليلة في مجلس سمر أنه لا يسمع بيتاً من الشعر إلاّ روى القطعة التي هو منها، وذكر الكتاب الذي توجد فيه، فتصدى له حبيب ابن أمين أحد تلامذة العلامة حُرْمةبن عبد الجليل ـ رحمة الله على الجميع ـ فسأله من القائل:
لو كنت أبكي علىشيء لأبكاني عصر تصرّم لي في دير غسّانِ
فقال ابن العباس: نسيت قائل هذاالبيت وهو من قطعة أعرفها في حماسة أبي تمام، فدعي بالكتاب، وقلب ورقة ورقة، فلمتوجد فيه فقال لهم حبيب: ها هي بقية الأبيات وذكرها:
دير حوى من (ثمار) الشامأودها وساكنوه لعمري خير سكان
دهراً يدير علينا الراح كل رشاخمصان غض بزنديه سُواران
وقال: إن القطعة من إنشائه، نظمها تعجيزاً لزميله، وساق دليلاً على صحة قوله أن دير غسان لا وجود له في أديرة العرب.
كان شيخالمحضرة الفقيه اللغوي الشاعر حرمة بن عبد الجليل (ت 1234هـ) ـ رحمه الله ـ حاضراًفالتفت إلى تلميذه حبيب وأنشأ على البديهة:
لله درك يا غليّم منفتى سن الغليم في ذكاء الأشيب
لستَ الصغير إذا تَنِدّشريدةٌ وإذا تذاكر فتيةٌ في موكب
إن الكواكب في العيونصغيرة والأرض تصغر عن بساط الكوكب (23)
عاشراً: اغتنام لحظات السحر في تثبيتالحفظ، فلا تكاد تجد طالباً من طلاب المحضرة في وقت السحر نائماً بل يزجرون عنالنوم في هذا الوقت.
حدثني الوالد ـ حفظه الله ـ قال: كان إذا صعب علينا حفظشيء انتظرنا به السحر فيسهله الله علينا، ولا ريب أنها لحظات مباركة؛ لأنهاوقت النزول الإلهي، ووقت الهبات والأعطيات (24). وساعات السحر هي لحظاتالإدلاج التي أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسير إلى الله فيها كما في صحيحالبخاري ـ رحمه الله ـ (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدّلجة) وهي سير آخرالليل (25).
وذكر أهل العلم بالتفسير آثاراً عن بعض الصحابة والتابعين ـ رضي اللهعن الجميع ـ في انتظار يعقوب ـ عليه السلام ـ لزمان الإجابة حين قال له أبناؤه: ((يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ)) [يوسف: 97] فقال: ((قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إنَّهُ هُوَ الغَفُورُالرَّحِيمُ)) [يوسف: 98] أنه أخّرهم إلى وقت السحر (26).
وضابط وَقت السحر علىالصحيح أنه قبل طلوع الفجر بساعة تقريباً على ما حققه الحافظ ـ رحمه الله ـ فيالفتح.
وبعدُ .. أخي القارئ الكريم:
بهذه العوامل والأسباب خطف علماءالشناقطة المتجولون الأضواء، وبهذه الطرق والأساليب في الحفظ بزّواغيرهم في العلوم التي شاركوهم فيها، فهل تجد في هذه الإجابةالمقتضبة ما يشحذ همتك ويحرك إرادتك ويكون مثالاً لك تحتذيه، ويستحثك لجعلالحفظ أهم طرق العلم الشرعي؟! ذلك ما كنا نبغي، وفضل الله واسع، وكم ترك الأولللآخر ((وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ)) [المطففين: 26].
وصلىالله وسلم وبارك على النبي وعلى آله وصحبه أجمعين.
منسوخ
¥