من تواضع الشيخ: أنه إذا تكلم عن أحد طلابه يقول: أخونا فلان، أو: هنا الشيخ فلان.
وإذا تكلم عن نفسه أو كتب قال: طالب علم، كما كتب لي في مقدمة جمهرة الأجزاء.
وإذا أثني عليه في وجهه مد يديه كهيئة المستغرب وقال: أستغفر الله .. أستغفر الله.
وإذا تكلم على الهاتف قال: معكم عبد القادر الأرناؤوط، أو قولوا لفلان معه عبد القادر.
ويتكلم معه بعض الطلاب بلا حواجز نفسية ويندفع في الحديث معهم بلا أدنى تحرج فضلا أن يتكلم بنبرة استعلاء وفوقية.
بينما نرى بعض المشايخ المنتسبين للتصوف لا يسمح أن يُنادى إلا بالشيخ ومولانا ونحو ذلك، ويبدو التأثر عليه إن لم يعامل هكذا، وإذا عرّف بنفسه لا ينزل عن تلقيب نفسه بالشيخ، خصوصا إن كان دكتورا!
ويزور من هو أقل منه وفي منزلة طلابه إن علم أنه من أهل العلم والفضل، كما يصنع إذا زار الرياض، وقد قال لي في غير سفرة: أهم شيء أن نلتقي بالشيخ سعد الحميد وعبد الله السعد، لأنا نستفيد من جلستهم في العلم، ولا يضيع المجلس في الرسميات.
وشيخنا بقي متابعا لجديد الكتب ولا سيما في علم الحديث حتى وفاته، وكنتُ إذا اشتريت للشيخ كتبا لا يرضى أن يأخذها بلا ثمن مهما كان، ومشى على ذلك سنوات، ثم صرت أستطيع أن أدخل عليه بعض الكتب الهدايا بالحيلة والإحراج!
وأذكر أنه لما وصلت أجزاء العلل للدارقطني إلى العاشر وأحضرته معي للشام صوره مني مجموعة من الطلاب لعدم وجود نسخه هناك، وأخذت حساب شيخنا في التصوير، فلم جئت إليه بالكتاب فرح بالنسخة، ورفض أخذها هدية، بل أخذ يُخرج إلي أوراق النقد فئة الخمسمائة ليرة تباعا، حتى زاد على العشرة آلاف (والنسخة كلفت حوالي الألفين فقط!)، وبالكاد حتى اقتنع شيخنا أنها لم تكلف إلا كذا!
موقفه من الصغار: يفرح شيخنا إذا رأى بعض الصبية الصغار، ويردد: ما شاء الله ما شاء الله، ويدعو لهم، وأذكر أن أخي الأصغر عبد الرحمن وفقه الله لما كان في الخامسة أخذته معي للشيخ لكي يشاركني سماع الأربعين العجلونية بالسند، وكان أخي وقتها لا تنقصه الجرأة وحب الاستكشاف وابتكار الحيل في سبيل ذلك! فما أن قرأ الشيخ قليلا حتى قال إنه يريد الذهاب للحمام! فتوقف الشيخ وأدخله عند الأهل، وانتظر رجوعه لإكمال المجلس، كي لا يفوته شيء، فلما رجع جلس قليلا وأعاد الكرّة، فدل الشيخُ أخي محمد أنس وفقه الله، وقال له: خذ أخاك، والطريق سالكة، وتوقف منتظرا، وهكذا مرارا! ثم همس إليّ أخي أنس قائلا: إنه لا يفعل شيئا سوى التأمل في (فترينة) داخل بيت الشيخ فيها بعض التحف على عادة البيوتات الدمشقية!
فزجرته، وأكمل الشيخ القراءة، بعد أن توقف عدة مرات، ولم يُظهر الشيخ أي ضجر أو تأفف، بل صار يقول لي: دعه، لا مشكلة، فرضي الله عنه.
ومن الطريف أن أخي عبد الرحمن أراد أن يعيد المحاولة عندما قرأت المسلسلات على شيخنا عبد الغني الدقر رحمه الله تعالى في بيته، ولكن كانت حيلته مكشوفة!
ثم لما زار شيخنا الرياض بتاريخ 8/ 4/1424 وكان في المجلس بعض الكبار، مثل الشيخ عبد الرحمن الباني، والشيخ محمد لطفي الصباغ، وعدد من طلبة العلم المعروفين، حضر المجلس الأخ معتز الفرا، مصطحبا ابنته الرضيعة (شيماء) وعمرها شهران تقريبا على ما أذكر، فقام شيخنا عبد القادر من مجلسه إليها، وحملها، وبدأ يعوِّذها ويدعو لها، فقلتُ لشيخنا: ألا تحنِّكها أيضا؟ فضحك شيخنا كثيرا، وقال: لا، حاجتنا سيدنا! يكفينا الذي عندنا!
ذلك أن شيخنا في إحدى زياراته الدعوية لبلاده كوسوفو، أُتي له بمولودة، فحنَّكَها، وعوَّذها، ودعا لها بالبركة، ثم دارت الأيام والليالي وأصبحت زوجته!
بذل الشيخ للعلم:
نجد أن شيخنا أعطى مصورة مسند أبي يعلى للأستاذ حسين سليم أسد الداراني وفقه الله، وترى شكره لشيخنا في مقدمته.
وما أكثر أن استعار الطلاب الكتب والأجزاء من مكتبة شيخنا العامرة، وكم فقد شيخنا بسبب هذا البذل!
وكثيرا ما كان إخواننا يستأذنون الشيخ لتصوير بعض النوادر القديمة من عنده، وكذا بعض الكتب الحديثية التي يجيء بها الشيخ من السعودية ولا توجد في الشام، فنفع الله ببذله نفعا عظيما.
هذه طائفة كانت حاضرة، كتبتها حسب ورودها على الخاطر!
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[26 - 11 - 04, 08:04 م]ـ
¥